نوس سوسيال – هاوار- وكالات
تستضيف العاصمة الإيرانية، طهران، يوم غد، قمة تجمع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع نظيريه رئيس الاحتلال التركي رجب طيب أردوغان، والإيراني إبراهيم رئيسي.
وقال نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، حسب وكالة “تاس”: “القمة ستكون حدثاً مهماً للغاية”، مضيفاً: “الموقف بنّاء للغاية من جانب كل من شركائنا الإيرانيين والأتراك”.
ماذا تحمل هذه الأطراف إلى طاولة المناقشات؟
وبحسب تصريحات مسؤولي الدول الثلاث، فإن المناقشات ستركز بالدرجة الأولى على الملف السوري، حيث تحدث إعلام الاحتلال التركي بأن أردوغان سيركز على مساعيه بشأن إطلاق عدوان جديد على شمال وشرق سوريا.
وبالإضافة إلى التهديدات التركية ضد شمال وشرق سوريا، هناك المشاكل العالقة في إدلب والتفاهمات الروسية – التركية هناك حيث صعّدت روسيا وحكومة دمشق من قصفها على المنطقة وذلك في تكرار لسيناريو التصعيد قبل التفاوض والانتهاء بصفقة على حساب الشعب السوري فيما بعد.
هذا الاجتماع له أهمية كبرى لكل من روسيا وإيران، حيث يأتي بالتزامن مع زيارة للرئيس الأميركي، جو بايدن إلى الشرق الأوسط والحديث عن تكتل عربي – إسرائيلي – غربي يقلق كل من موسكو وطهران، وهو ما دفع مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان إلى تصنيف زيارة بوتين بأنها تمثل “تهديداً بالغاً”.
وبالإضافة إلى مناقشة التحديات المشتركة لهذه الدول، هناك خلافات بين هذه الدول الثلاث، ومنها الموقف التركي المتذبذب من التحرك العسكري الروسي في أوكرانيا والصراع الروسي – الغربي، والموقف الروسي من الوجود الإيراني في سوريا وعدم مواجهة الضربات الإسرائيلية على القوات الإيرانية، بالإضافة إلى ملف إدلب العالق وموقف الاحتلال التركي من حكومة دمشق ومساعي الاحتلال التركي توسيع احتلاله للأراضي السورية.
مصالح متشابكة ومتناقضة
الباحث في العلاقات الدولية، طارق وهبي، وصف هذا الاجتماع بـ “اجتماع ردة الفعل، والمتناقضات”، مضيفاً “الإعلان عن هذا الاجتماع لم يكن مبرمجاً مسبقاً بل أتى في سياق زيارة الرئيس الأميركي بايدن، والأهم هو أن الرئيس بوتين قَبِلَ ذلك من الدبلوماسية الإيرانية في نطاق عدو عدوي هو صديقي وأكثر من ذلك قد يكون لبوتين خطة جديدة للخروج من أزمته في أوكرانيا وقد تمر في كل من طهران وأنقرة”.
وأوضح “هذا الاجتماع عنوانه المصالح المتشابكة والمتناقضة، فروسيا تسعى لكي لا تقع إيران في فخ بيع نفطها للغرب رداً على العقوبات الغربية على روسيا. هناك أيضاً ملفات التسلح والتنسيق وأهم هذه الملفات هو الوجود الإيراني – الروسي في سوريا والتداخل مع التحدي الذي بدأته تركيا لإخضاع قوات سوريا الديمقراطية”.
مرتبط بزيارة بايدن
وحول جدول الاجتماع، رأى وهبي أنه “سيكون مرتبطاً حتى بنتائج زيارة بايدن وكل الاتفاقات التي ستوقّع. وقد يكون مضمونها سلبياً على كل من إيران وروسيا. العامل الأمني هو من سيحرك هذا الاجتماع الذي سيحاول أن ينشأ كالعادة حلفاً مضاداً ولكنه مثقل، فروسيا غارقة في حربها على أوكرانيا وإيران منهكة اقتصادياً وسياسياً وحتى عسكرياً بعد التشتت الخارجي للحرس الثوري في عدد من الدول العربية. أما تركيا فهي المستفيدة الوحيدة على الساحة، وهي تحاول أن تكون الوسيط والشرطي في الحرب الأوكرانية وتستفيد من الضغوطات الروسية -الإيرانية في شمال شرق سوريا، ولكنها تظل حذرة من الوجود الأميركي والغربي في هذه المنطقة وتتريث بأي عمل عسكري”.
وقال وهبي: “هذا الاجتماع لن يكون إلا مواجهة ورفض لعنوان زيارة بايدن وقد يتم خلق حلف عسكري إيراني – روسي. وهذا سيعقد مشاريع ضرب إيران من قبل أميركا أو إسرائيل وهذا يظهر عبر تسويق لحلف عسكري شرق أوسطي تحت مظلة أميركية وقيادة إسرائيلية وهذا غير قابل للحياة؛ لأن معظم دول منطقة الشرق الأوسط تخشى من قوة إسرائيل فدفعها لكي تكون في موقع القيادة سيكون له ردة فعل سلبية على الشعوب العربية التي سئمت من كل التصرفات العدائية لإسرائيل”.
ويرى وهبي أن “اجتماع طهران قد يكون لعنة للداعين له ومن جديد هو ردة فعل ومبني على أساس الاختناق الداخلي لسياساته وعدم القدرة على إيجاد حلول للخروج من كل العقوبات التي تطوقه. الأيام القادمة ستكون خطرة وحتى مدمرة للبعض فعلينا جميعاً أن نكون متأهبين”.
مساحة كبيرة للملف السوري
ويستمر مسلسل “أستانا” بتكرار التراجيديا السوداء التي كتبها ويخرجها من أسماهم السوريون بثلاثي الصفقات “روسيا وتركيا وإيران” الذين دمروا البلاد، وهجّروا الشعب ويدّعون أنهم حريصون على مصالح السوريين.
السياسية والأكاديمية السورية، الدكتورة سميرة مبيض، تحدثت عن اجتماع طهران المقبل، قائلة: “لا زالت الحرب في سوريا هي العامل المؤثر الأهم في المنطقة وفي العالم، وقد تم ربطها ضمن ملفات على درجة كبيرة من الأهمية لكل من روسيا وتركيا وإيران منها الحرب الروسية -الأوكرانية، والملف النووي لإيران والعديد من القضايا الداخلية لتركيا كقضية اللاجئين والقضية الكردية وسواها. هذه الأسباب أعتقد أن سوريا ستحتل مساحة واسعة في النقاشات بحكم أن كلاً من هذه الدول تسعى إلى الدفع بمصالحها عبر أذرعها من طرفي النظام والمعارضة، وللأسف تجري هذه النقاشات بغياب أي طرف سوري قادر على تقديم طروحات تضمن أمن واستقرار مستقبل سوريا والسوريين”.
بحث تركي عن صفقة
وعقدت هذه الدول (روسيا – تركيا – إيران) اجتماعات أستانا بدءاً من 23 – 24 كانون الثاني 2017، لمناقشة أزمة السوريين دون حضور أصحاب الأزمة، إلا أن النقاشات ونتائجها كانت أهدافها واضحة، وهي استمرار التفاهمات الروسية – التركية، ليس إلا.
جولات متتالية طغى عليها أسلوب الصفقات والبازارات السياسية، فكان يسبق كل جولة من أستانا جولة تصعيد على الأرض، يستثمرها الرابح في طاولة المفاوضات التي تنتهي بتبادل نفوذ في المناطق السورية.
على الأرض، لم يقدّم مسلسل “أستانا” للسوريين أي حلول لأزمتهم بل استثمرها، فأنتج في جولته الرابعة التي عقدت في أيار 2017 اتفاق “خفض التصعيد”، والذي كان هدفه إعادة سيطرة قوات حكومة دمشق على مساحات واسعة من الأراضي السورية، بعد أن عجزت بدعم روسي وإيراني من تحقيق ذلك عبر القتال.
ووفق اتفاقية “خفض التصعيد” التي شملت 4 مناطق، كانت المجموعات المرتزقة التابعة للاحتلال التركي، وبأمر من الأخير، توقف القتال على كل الجبهات، عندما تهاجم القوات الحكومية منطقة ما، لتتدخل روسيا وتبرم “تسويات” تفضي إلى نقل المرتزقة وأسرهم إلى مناطق أقدمت تركيا على احتلالها في الشمال السوري.
وطبّقت هذه السياسة في أرياف دمشق وحمص وحلب التي سيطرت عليها قوات دمشق، بالمقابل احتلت تركيا عفرين وسري كانيه وكري سبي.
وحول ملف التهديدات ضد شمال وشرق سوريا، قالت سميرة مبيض: “تركيا تحتفظ بورقة التصعيد العسكري كعامل ضغط مستمر في الأراضي السورية وتستخدمه للحصول على مكتسبات إضافية وبالأخص توسيع هيمنتها على الأراضي السورية لكن هذه الطروحات لم تلق تجاوباً من الأطراف المنخرطة في أستانا لأسباب عديدة، أهمها سعي بقية الدول بدورها لتوسيع نفوذها العسكري، كما أن هذه الطروحات لم تلقَ تجاوباً دولياً بسبب حالة الانفلات وانعدام الأمن والاستقرار السائدة في مناطق هيمنة المعارضة التابعة لتركيا والتخوف من مزيد من التدهور الأمني وتصاعد الاستقطاب والتشدد بين مختلف الميليشيات المتطرفة في الشمال السوري”.
الأكاديمية السورية أشارت إلى أن هذه الدول “تسعى لوضع صفقة وآلية لتقاسم الأراضي السورية وتوزيع نفوذها العسكري، السياسي والأيديولوجي ضمنها، وهذا سيناريو كارثي سيُحيل سوريا الى انتداب متعدد الأقطاب. وإلى أرض محروقة تتحكم بمواردها وبأهلها حكومات خارجية، لكن مثل هذه الصفقة لا يمكن أن تتم طالما هناك رفض سوري لها”.
وتابعت “على الرغم من أن حكومات الأمر الواقع، من نظام ومعارضة والتابعين لهذه الدول والمهيمنة على الأراضي السورية تسعى اليوم تسعى إلى هذا التقاسم في محاولة لإعادة تدوير المنظومة القديمة في المنطقة، لكنها تواجه رفضاً شعبياً واضحاً لها ولاستمرارية الحالة القمعية العسكرية القائمة، لذلك فمن غير الممكن التوصل إلى صفقة سياسية خارج أطر المسارات الساعية لتغيير سياسي جذري في سوريا وفي عموم المنطقة”.
محاولة لإعادة إنتاج المنظومة القديمة
وقيّمت سميرة مبيض، دور أطراف أستانا خلال المرحلة السابقة، قائلة: “يمكن اختصار دور هذا الثلاثي بتحقيق مصالحه بالدرجة الأولى وذلك عبر إعادة انتاج المنظومة القديمة البائدة، منظومة الصراع الأيديولوجي والمنتفعين منها على الصعيد العسكري والديني والقومي وهي منظومة أثبتت فشلها في حفظ الأمن والاستقرار على الصعيد المحلي والدولي، وأدت إلى توليد التطرف والتشدد وقامت على أنقاض المدنيين وعلى دمار التنوع السوري ومنع تقدم سوريا ونهضتها، لذلك علينا التمسك بتحييد سوريا عن هذه الصراعات ومنع جرها لهذا المسار والسعي إلى تحقيق استقلالية وسيادة السوريين وفق ما يضمن شروط الاستدامة والحياة في ظل التحديات الهائلة التي تواجه المنطقة من ارتفاع درجات حرارة المناخ والجائحات وغيرها مما يستلزم إعطاء الأولوية القصوى لأمن واستقرار المدنيين”.