بقلم الكاتب معد فياض:,,,,,,,,,,, لو كنت كورديا ,,,,,,,,,,,,,,,

                                                                لو كنت كورديا
لا اتبرأ هنا عن قوميتي العربية، فهذه القومية قد ولدت معي وورثتها وما زال دمي يحمل غبار صحراء نجد التي انحدرت قبائلنا منها.. قوميتي التي هي مثل ديني لم أُستشر باختيارهما، ومع ذلك تصر الوثائق الرسمية على تثبيتهما في اوراقي الشخصية، على عكس كل وثائق العالم المتحضر الذي لا يذكر القومية او الدين في جوازات السفر وبطاقات الهوية، وسافترض بانني استطيع ان اغير هويتي القومية، وحتى الدين، فانا ضد التشبث القومي الذي يصل حد الشوفينية، كما اعتبر ان الانسانية والاخلاق القويمة هي الدين الحقيقي للبشرية جمعاء، طالما ترضي الرب ولا تغضب البشر.
ماذا لو كنت كورديا؟ كنت سازداد فخرا بانتمائي للجبل والوادي والشلال والنهر والحقل والموسيقى والاغاني والدبكات بكل اساليبها وللغة بكل لهجاتها وللطيبة التي يتمتع بها الكورد.. وكنت سافتخر بالثوار الشجعان الذين روضوا صخور الجبال الوعرة وقممها العالية، وساعلن انتمائي لثورة ايلول التي قادها ملا مصطفى بارزاني وابنائه واخوته ورفاقه الابطال.. كنت ساتخذ من الشمس شعارا وامد يدي لها لاصافح شعاعها الاخاذ وهي تشرق على سلاسل واراضي كوردستان البهية.. كنت ساغتسل بالمطر الذي ينهمر فوق الحقول المترعة بالخضرة والخير وانا اتسلق قوس قزح الذي يزين القمم والسفوح.
لو كنت كورديا كنت سافتخر بتاريخي النقي من الغزوات التي تقتل الشعوب الاخرى وتسبي نسائهم وتغنم اموالهم وتستولي على مدنهم وتخرب حضاراتهم تحت مسميات ألاهية.. وكنت سأنهل من حكمة زارادشت وسمو تعاليمه في المحبة والسلام والعشق والعمل.. وكنت سأتخذ من نوروز عيدي الذي لا ينتهي بختام التقاويم الميلادية والهجرية.
لو كنت كورديا كنت ساطلق صوتي عاليا منبها العالم بان التاريخ الحضاري قد انطلق من هنا، وان السومريين الأوائل انحدرو من هذه الارض اى جنوب بلاد النهرين ليعلموا البشرية الكتابة واالقراءة والموسيقى والبناء والرياضيات والهندسة والعمارة وهم من دفع بالانسانية الى الامام باختراعهم وصناعتهم للعجلة.. وأن شواهد التأريخ الحضاري باقية فوق قلعة اربيل مدينة الالهات الاربع.. وأن دبكة كوردية كفيلة باختصار كل اللغات، فعندما تحضر الموسيقى ويكون الغناء بصوت كوردية او كوردي، لا يكون للغة معنى سوى ان تتفاهم مع الآخر بالمشاعر والشعر والوجدان.
لو كنت كورديا كنت سانفض من دمي غبار المعارك الصحراوية واتبرأ من كل الغزوات البربرية التي قتلت الآخرين باسم الرسالة الربانية واستعمرتهم وساقت ببحسناوات القبائل الامازيغية جواري لسلاطين الدولة الاموية، ولتبرأت من طارق بن زياد وهو يعبر البحار اللازوردية ليجعل من اهل اسبانيا عبيدا للبدو ويعيث الخراب بالحضارة الاوربية.
لو كنت كورديا لما حفظت معلقة امروء القيس ولما رددت “قفا نبكي من ذكر حبيب ومنزل”، ولا مجدت سيف عنتر بن شداد، ولا اتخذت من المجنون قيس باعتباره رمز الشخصية الرومانسية، فالشعر ابداع الجاهلية، وهو نتاج البوادي وليس ابن المدن الحضارية.. وهو لغة الهجاء والشتائم والعنصرية، حتى عند ابلغ شعراء العربية، المتنبي، “لا تشتري العبد الا والعصى معه”، دون ان الغي نتاج بدر شاكر السياب ونزار قباني ولميعة عباس عمارة، لان قصائدهم تنتمي لي ولعصر التطور والانسانية، ولاعلنت الثورة على تاريخ الحروب العشائرية بدءا من داحس والغبراء وحتى سقوط بغداد بايدي الجيوش التاتارية.
نعم في التاريخ العربي اطباء وعلماء ومن ابدع في الموسيقى والغناء وفي الرسم الفلسفة والبناء، لكنني كلما تعمقت بتاريخ العلماء وجدت اغلبهم ينحدر من اصول اعجمية وانجازاتهم من حق الانسانية.
لن اتبرأ هنا من تأريخ اجدادي الذين وصلوا حتى الاراضي الصينية، لكنني خجل من كل غزوة دموية بللوا فيها سيوفهم بدماء الشعوب الآمنة من اجل الجواري والاراضي والذهب والنحاس والسجاجيد الفارسية، ولن اتخلى عن لغتي العربية لانها تمكنني، من دون كل اللغات العالم، من التعبير عن كل ما اريد ان اكتبه واشعر به فمفرداتها تستجيب طيعة لي، لكنني اعلن عن اسفي لانني لم اتعلم اللغة الكوردية.
ستقولون لكن عندنا المدرسة المستنصرية، ودار الحكمة والمنارة الملوية، وهذه شعت بنورها على كل شعوب العالم، فاقول قبلها كانت سومر قد كتبت وقرأت كأول حضارة في تاريخ الانسانية وبنوا الزقورات للعبادة والتاملات الروحانية. ولكن هل قرأتم تاريخ الانجازات الحضارية للكورد.. هل حفظتم اشعارهم، ورددتم اغانيهم، ووضعتم يدكم بيدهم في دبكة فرح بريئة؟ وهل تعمقتم بلغاتهم وزرتم المنحوتات الاشورية وشاهدتم الرسوم الاولى في جبالهم وكهوفهم، واستخلصتم الحكمة من اديانهم ، وهل منحت جيوش العالم عبر التأريخ اية فرصة نادرة ليستقر الكورد في اراضيهم ويؤسسوا مدنهم وحضارتهم بعيدا عن حروب الابادة التي امتدت منذ مطلع التاريخ حتى بدايات القرن الحالي.
لو كنت كورديا، لما قارنت بين اي شعب وبين الكورد، ذلك ان الفلسفة الحضارية للكورد هي عشق الحياة والفرح والبناء وتحدي الصعوبات وترويضها لصالحهم.. يبدأون يومهم بالموسيقى والغناء وروحهم تنبض بالتحدي من اجل الانجاز، ويسابقون الزمن ليقولوا لكل شعوب الارض ها نحن هنا، هذا تأريخنا الحافل بالانجازات، وها هو حاضرنا المزدحم بالعمران لنكون في واجه العالم الحضاري.
لو كنت كورديا لافتخرت بانتمائي للعراق.. العراق الكوردي، العراق الذي سكنه الكورد قبل العرب باكثر من اربعة الاف عام، عراق الكورد الذين اعتنقوا أول الاديان قبل وصول جيوش الغزو االعربية رافعين رايات ما يسمى بالفتوحات الاسلامية، عراق عشتار التي ما يزال معبدها في قلعة اربيل. تاملوا خارطة العراق جيدا، ستكتشفون ان اراضي اقليم كوردستان تشكل ما يشبه التاج فوق قمة الخريطة وفوق رأس الوطن الذي يحرص الكورد أكثر من غيرهم على سلامته واستقرار اهله بمختلف قومياتهم واديانهم وطوائفهم.