بقلم بريفان يونس : داعش وإبادة المرأة

 

 

يعتبر داعش عدو لكل القيم الإنسانية و المجتمعية وبما أنه على علم و دراية  بأن المرأة تمثل جوهر هذه القيم لذلك عمل على  تطوير هجوم ممنهج على شخصية المرأة و كان هدفه الأساسي ضرب المجتمعات لأنه النظام الذي يؤسس نفسه و يتمأسس بالنيل من المرأة لأنها  أقوى خلية في جسم المجتمعات . لذلك لم يتوانى في  إعلان أعتى أنواع الحروب ضد هوية المرأة . فهو الذي ضرب المرأة من الناحية الجنسية و الفكرية , و كانت الساحة والأرضية الأكثر تطبيقاً لنهج داعش  من  الناحية العملية و النظرية فهي التي أعيدت إلى سوق النخاسة و تم تثمينها و تصنيفها حسب فئة الأسعار أي العودة إلى العبودية مرة أخرى , لأن الفكر الداعشي يعلم أن عبودبة المجتمع تمكن في عبودية المرأة , فهو الذي أجاز و أباح إعادة  غزو جسم المرأة تحت مسمى الدين  و تركها بين يدي الرجل  يتحكم فيها كيفما يشاء .، لأنها فقط أداة ومادة جامدة بنظرهم ، لا تملك المشاعر ، لا تملك الإرادة، لا تملك العقل , لا حول لها و لا قوة . وهي فقط جسد لتفريغ مفرزاتهم الفكرية الاستبدادية و الجنسية الحيوانية التي تفتقر إلى الإنسانية.

من هذا المنطلق يمكننا تعريف تنظيم داعش  بمقصلة المرأة  ، و بداية أسر المرأة  حيث قامت  ببتر رأسها، فكرها و إرادتها ، فالنساء في نظام داعش مبتورات  لأنهن تعرضن لأبشع أنواع الابادات الجسدية و النفسية .

هنا وعندما قمنا نحن أكاديمية الجنولوجيا (علم المرأة ) بالبحث و الدراسة على شخصيات مختلفة من النساء اللواتي تعرضًن لهجوم داعش أو انضممن لصفوفه  ، رأينا بأنً كل ما هو مضاد لحرية المرأة و كرامتها تم استخدامه من قبلهم . لذلك أريد التوقف هنا  على أنواع الإبادة التي تعرضت لها المرأة و منها :

الإبادة الجسدية: ففي السنوات التي قامت داعش بالاستيلاء على المدن والأرياف ، كانت أكثر الفئات تعرضُاً للقتل هن النساء و الأطفال. فأرضية المجتمع التي تتمحور على أن المرأة ضلع و عضو ناقص في المجتمع الشرق الأوسطي جعل المرأة من أكثر الفئات الاجتماعية المحرومة من آليات الدفاع الذاتي و أبعدها عن جوهرها الأساسي الذي يعتمد على حقيقة أن المرأة هي التي تمثل أساس قوة المجتمع و آليته الدفاعية الذاتية  و الجوهرية, ليس هذا فحسب فالكثير من النساء انتحرن نتيجة ظلم و اضطهاد داعش لهن , كما كان المثال الواضح في معركة تل تمر التي كانت محط أنظار العالم حيث قامت الكثير من النساء بالكثير من العمليات للخلاص من داعش ومنها  قنديل تل تمر تلك المناضلة  التي أبت الاستسلام  لداعش و فضلت التخلي عن حياتها التي كرستها في سبيل خدمة المجتمع و الدفاع عنه على أن تستسلم للواقع الذي سيتم فرضه من قبل داعش عليها  .

فما قاموا به من قتل و سبي و خطف في سنجار ما هو إلا إبادة جماعية نسائية حيث تم قتل الآلاف من النساء و انتحار العشرات منهن  و خطف و سبي العشرات منهن أيضاً خلال فترة ما يسمى بخلافة داعش. حيث كانت الإحصائيات

يونس

الإبادة الفكرية و الروحية:  من خلال أبحاثنا في الفترة الماضية شهدنا نوعين من النساء اللواتي تعرضن للإبادة الفكرية و الروحية و لكن بأشكال مختلفة. فالنساء اللواتي انضممن  إلى داعش تحت مسميات عديدة مثل  الدين و العادات و التقاليد فإنهن تعرضن لتشويه فكري معنوي فظيع. فهؤلاء النساء ينظرن الى أنفسهن كمادة تستخدم من أجل تأمين احتياجات الرجل مادياً ومعنوياً،  كما أنها آلة تقوم بإرضاء  الرجل و ذلك بإشباع شهواته ورغباته الجنسية ، فتقوم بإنجاب الأطفال، تقوم بالطاعة لكل نزواته و طلباته. فهي لا تفكر اكثر من النطاق الذي رُسم لها من قبل الذهنية الداعشية. فتحت مسمى الدين تقوم بقبول كل ما يُفرض عليها من قمع وظلم و اضطهاد و سلب لإرادتها ، إنها تقبل بالعبودية بشكل طوعي و قد يكون هذا من أخطر مراحل الإبادة الفكرية التي يمكن أن تتعرض لها المرأة. ليس هذا فحسب فان المرأة تصل الى مرحلة  أن تعشق جلادها،  فيأتي دورها هي  لتقوم بالدعاية لهذا الشكل من الحياة فتتحول إلى مصيدة لتصطاد نساء أخريات . ومن الطبيعي أن حالة العبودية هذه تخلق إدمان خطير بحيث لا يمكن أن تستغني عنها. الشيء الخطير هنا هو سن قوانين عبودية المرأة من قبل الرجل على شكل شرائع دينية و سنن نبوية بحيث الخروج منها يكون كفر و إثم كبيرين. لذلك و الآن في مخيم الهول نرى بأن النساء الداعشيات لم تتوانى لحظة  في قتل  النساء اللواتي  ندمن على موالاتهن لما يسمى بدولة الخلافة. أي أن المرأة و مع مرور الزمن تصبح عدوة المرأة .

 

أما النوع الآخر من النساء اللواتي تعرضن للإبادة الفكرية و الروحية  فهن النساء اللواتي تم سبيهن و الاستيلاء عليهن كغنائم حرب أو النساء اللواتي تواجدن في مناطق سيطرة داعش في ذلك الوقت. إننا ومن خلال النساء  الكرديات الإيزيديات  شهدنا أفظع أنواع الممارسات و الإبادات الفكرية و التي كانت على الشكل التالي :

أولا:  تم تغييرعقيدتهن فقبلن الإسلام  قسراً و رغمن عنهن, و كان ذلك  نتيجة التخويف و الترهيب الدائم بقطع الرؤوس و الجلد و الرجم و غيرها من أفظع الجرائم التي كان يتم ممارستها من قبل داعش  ،فتغيير الإيمان الروحي  قسراً لدى أي كائن كان على وجه الخليقة يعتبر من أبشع أنواع الإبادات , و نستنتج بذلك  بأن الذهنية الداعشية المتقوقعة و المتأطرة و المتخفية و المتلبسة بلباس  ديني  لا يمت إلى الدين بصلة تذكر كما يزعمون.

ثانياً: تم فرض التحدث باللغة العربية عليهن حيث نجد بأن الكثير من أطفال الكرد الإيزيدين نسيوا لغتهم  الأم , و حتى لا يمكن  التعرف عليهم تم تغيير أسماءهم، بحيث وصل الوضع ببعضهن حتى إنكار هويتهن خوفاً من التعرض للتعذيب . هذا وتم فرض نوع من اللباس على النساء بحيث لا يمكن الخروج من البيت دون هذا اللباس، فالنساء  الكرد يات الإيزيديات منعن من اللباس الكردي و النساء العربيات أيضاً تم  فرض اللباس الداعشي  عليهن,  و الذي يغطي كل جسم المرأة لأنه و حسب الفكر الداعشي فأن جسم المرأة هو عورة و عيب كبير و يجب أن لا يتم الإظهار عنه، فهذا النوع من اللباس أصبح  سجناً متنقلاً  يلازم المرأة في كل مكان.

 

كسر إرادة المرأة: فالمرأة في خلافة داعش لم تكن تملك أدنى مستوى من الإرادة، فكل شيء يكون بمشيئة الرجل، فيمكن أن يتم اغتصاب المرأة من قبل عدة رجال، بما إنهم يعتبرون سبي النساء حالة طبيعية لديهم ، فاستخدام كل الأساليب  للوصول إلى مبتغاهم مباحة  و واردة.  و هنا أود أن أسلط الضوء على حادثة فتاة كردية إيزيدية وبذلك سيتم التعرف بشكل أوضح  على  السبل التي كانت تستخدمها داعش  لكسر إرادة المرأة و النيل منها. هذا و بحسب منظمة العفو الدولية التي أشارت إلى هذه القصة في بحثها بعنوان الفرار من الجحيم .

و القصة هي كالتالي :

جنان الفتاة الكردية  الإيزيدية البالغة من العمر 18 عاماً والتي تتحدث عن 90 يوماً من الإغتصاب  و الإهانات  اللفظية و الجسدية في أسواق النخاسة .و تقول :خلال فترة العرض في سوق النخاسة , لم يبقى هناك نوع من أنواع التعذيب و الإهانات اللفظية إلا و تمت ممارستها عليَ أنا وعلى العشرات من الفتيات الإيزيديات , كما و كان يتم إجبارنا على اعتناق الإسلام , حيث كان مصير اللواتي يرفضن الإنصياع لأوامرهن هو الضرب,  و تقييدنا و إجبارنا على البقاء في الشمس , وشرب مياه ملوثة تسبح فيها الفئران, و كما كان يتم تهديننا بالتعذيب بالكهرباء .

و تقول جنان  أيضاً كان يتم عرضنا في السوق و ينادي أحدهم حقها ١٥٠ دولار. و قبل أن تتم عملية البيع , كان يسمح لمن يرغبون بشراء الفتاة بملامستها و تفحص جسدها و هم يتبادلون النكت , و كأنهم يتفحصون أي سلعة أو مادة .و تكشف جنان واقعاً  متناقضاً عما يروج له مقاتلو داعش من التزامهم بتعاليم الدين الإسلامي , و تقول ” هؤلاء الرجال ليسوا بشراً . لا يفكرون سوى بالموت و يتعاطون المخدرات بشكل دائم . كما و يريدون الانتقام من الجميع.”
و من خلال دراساتنا و حواراتنا مع النساء  الكرديات الإيزيديات اللواتي تحررن على يد وحدات حماية المرأة   نجد بأن هناك الالاف من النساء  الكرديات الإيزيديات تعرضن للبيع في أسواق النخاسة و الرق أكثر من 4 الى 6 مرات .

خير حادثة على ذلك أيضاً أروى   الفتاة  الكردية الإيزيدية البالغة من العمر 15 عاماً  و التي تروي قصتها  ,هذا و حسب وكالة  الصحافة الفرنسية و تقول بعد اختطافنا في أغسطس/ آب من إحدى قرى جنوب شنغال برفقة عدد من الفتيات و من بينهم ابنة عمي البالغة من العمر 13 عاماً و رندا البالغة 16 عاماً حيث تم اقتيادنا إلى سوريا و احتجازنا في أحد المنازل , و هناك تعرضنا للإغتصاب , و عندما كنا نرفض أن يقتربوا مننا كانوا يهددوننا بقتل أقاربنا المحتجزين لديهم , و عندما نقوم بمقاومتهم لكي لا يتم التعدي علينا ,كانوا يقومون بضربنا إلى أن نفقد وعينا. فإننا هنا ندرك مدى قذارة و تخلف هذا الفكر الداعشي و إن تقربهم من المرأة إلى هذا الحد من الدناءة و الأستهزاء ليس سوى انتقام و نيل من كرامتها و أصالتها  و قداستها المسلوبة منذ الآف السنين الماضية  .

و هنا لا ننسى أيضاً مجزرة كوباني التي راح ضحيتها 77 المئات من المدنيين و منهم 77  إمراة أيضاً و لم يكن لهم ذنب سوى أنهم أصحاب حق و أصحاب هذه الأرض , فإنه و بعد تحرير قوات وحدات حماية الشعب و وحدات حماية المرأة لمدينة كوباني في 25 يناير / كانون الثاني و بعد عودة الأهالي إلى منازلهم و في تلك الليلة الظلماء و بدخول داعش إلى مدينة كوباني كان الانتقام  الأروع من الانتصارات التي حققتها قواتنا بالوقوف في وجه أكبر التنظيمات الإرهابية عالمياً و ذلك بقتل الكثير من الأبرياء المدنيين.

الإستغلال: حيث كان الاستغلال من الجرائم البشعة و اللأخلاقية و البعيدة كل البعد عن الإنسانية التي تمارسها داعش  ضد النساء ومن هذه الممارسات  كانت بأن داعش يرى زوجته ملكٌ له , فهو يقوم بالحصول عليها مقابل مبلغ من المال حيث يتم دعمهم من قبل النظام الداعشي بأن داعش هو الذي يتكفل بمصاريف الزواج  للتشجيع  غير المنطقي على الزواج  و إنجاب أكبر كمية ممكنة الأطفال على حساب صحة و جسد المرأة و بذلك يستطيع التحكم بها كيفما يشاء و من العادات التي أصبحت متداولة و شائعة في  نظام خلافة (داعش) وحسب النظام المفروض من قبلهم تحت حجج و ذرائع مختلفة تحت مسمى الدين بأن المرأة لا تستطيع العيش بمفردها في نظام دولة الخلافة و لا تستطيع الاعتماد على نفسها و تربية أطفالها بمفردها من دون محرم أو من دون وصاية رجل .

وأثرت هذه الأفكار و الأساليب بشكل غير إنساني على حياة هؤلاء النساء , فلم يبقوا للمرأة ولو جزء بسيط من حقها  بالاحتفاظ  بذكرى زوجها  الراحل ويتم إجبارها راضخة لقبول الواقع التي تعيشه , فتتزوج حسب الأصول و الشرائع و القوانين التي تم وضعها من قبل الذهنية الداعشية  بعد طلاقها و إتمامها العدة أو مقتل زوجها من رجل آخر و آخر و آخر ,مما كان لهذه الممارسات أثر كبير على الكثير من النساء , فلم يعد لديهم أي هدف في الحياة سوى التفكير في كيفية الخلاص من هذا المستنقع المتواجدين فيه ,و بعض منهن وصلن إلى درجة الانتحار لعدم قبولهن هذه الحياة المأساوية التي فرضت عليهن.

كما أن هنالك الكثير من النساء بقين أسرى بيوتهن لرفضهم هذا الفكر الديكتاتوري البحت و ذلك بحسب شهود عيان عاشوا هذا الواقع المرير في المناطق التي كانت تحت سيطرة داعش مثال الرقة , الطبقة, منبج .

من خلال هذا السرد القصير،  يظهر بوضوح أن داعش عدوٌ للمرأة، حيث تم الحط من شأنها  بأفظع الأشكال ، لذلك ومن أجل أن ننقذ النساء من أن يصبحوا ضحية لتلك الذهنية الداعشية و ننقذهن من كل أنواع الظلم التي  تتعرضن لها من قبل الرجل،  إذاً فهناك حاجة لثورة نسائية تخاض في جميع مجالات الحياة ، هناك حاجة لانطلاقة فكرية وعملية على السواء، فإنه يجب :

أولا: خوض صراع متعاقب و متواصل  في وجه الإيديولوجية الجنسوية ، و ثورة المرأة تقتضي تجذير الحرب أخلاقياً و سياسياً تجاه عقلية الاغتصاب السائرة على مدار الساعة . بهذا يظهر مرة أخرى  بأنه لا يمكن تحرير الحياة ما لم نعش ثورة نسائية جذرية و بالتالي مالم يتحقق تغيير جذري في عقلية وحياة الرجل و ذلك عن طريق إعادة تدريب و تأهيل الرجل . كما و أنه  لا يمكن بلوغ الحقيقة بخطى سديدة فيما يتعلق بأم القضايا أي قضية المرأة  ،  إلا بفرض ثورة المرأة في جميع مجالات الحياة السياسية و العسكرية و الإقتصادية  و الاجتماعية و غيرها من المجالات الأخرى و التي هي أم الحلول.

ثنائياً : إعادة تأهيل النساء اللواتي تعرضن للتعنيف الجسدي و النفسي , حيث يجب  أن يتم التعامل  مع هذه  الحالات بطرق  علمية و عملية لآن المرأة التي أبيح جسدها و كأنها ساحة لإفراغ شهواتهم الجنسية سواءً عنفاً أو إطاعةً , كما شيع في النظام الداعشي حسب الأصول الدينية  , عانت و لا تزال تعاني من حالة نفسية لا تستطيع بسهولة البوح عنها كونهم يعتبرون شرف  المرأة شرف المجتمع و المرأة التي يتم التعدي عليها تصبح غير مقبولة في مجتمعنا .

و  كذلك العمل على إعادة الثقة للنساء اللواتي تم اغتصابهن لأنهن فقدن الثقة بأنفسهن و بالواقع المحيط  بهن , تجذرت بداخلها الشعور بالنقصان الدائم.

ثالثاً: المرأة التي انضمت إلى التنظيم طوعاً و بإيمانها و إرادتها هي من أكثر الفئات خطورة , لأن  إرادة المرأة  تعتبر من أصلب الإرادات , عندما تعتنق الشيء  تعتنقها بكامل إرادتها و دون هوادة .فهي التي تستبسل في الدفاع عن هذا الفكر إلى الرمق الأخير , لذلك علينا التعامل مع هذه الحالات ليس بأنها حالات مرضية فقط بل حماية المجتمع من هذا النوع من النساء الذي  كان و سيكون أساس تفسخ المجتمعات و عدم تطويرها لإنتهاجها الفكر التطرفي  .