نوسوسيال

 بيروت – ميشلين ابي سلوم/ ما الذي يسجّله باروميتر القطاع المالي اللبناني في ملف العقوبات الأميركية؟

552

ما الذي يسجّله باروميتر القطاع المالي اللبناني في ملف العقوبات الأميركية؟

هبة باردة، هبّة ساخنة. هكذا هي انعكاسات القانون الأميركي الرامي إلى تجفيف منابع تمويل حزب الله على القطاع المالي اللبناني. ومنذ منتصف الربيع الفائت، تنمو أزمة داخلية لبنانية صامتة حيناً وصاخبة أحياناً، بين القوى السياسية المعنية وذوي الشأن المالي، على خلفية الطريقة التي يجب على لبنان أن يتعاطى بها مع القرار الأميركي.

الموجات السابقة من الأزمة كادت تُدخِل لبنان في مأزق العلاقة بين حزب الله من جهة وحاكم مصرف لبنان الدكتور رياض سلامة وأركان القطاع المصرفي من جهة أخرى. لكن وجود منسوب عالٍ من الوعي لدى جميع المعنيين واقتناعهم بأولوية المصلحة الوطنية دفعا الجميع إلى اعتماد الواقعية والليونة.

وأمسك حاكم المصرف المركزي بزمام الملف، فكان حازماً في التزام التدابير الأميركية في مقابل وضع ضوابط حازمة على طريقة التنفيذ بحيث لا يتم استخدامها لاستهداف مواطنين لبنانيين أو مؤسسات تربوية أو استشفائية لمجرد انتمائها إلى فئة معينة.

لكن المشكلة تكمن في أن الأميركيين يعمدون إلى تسمية أشخاص ومؤسسات يشملها القانون. وهذا الأمر قد يؤدي إلى إحراج القطاع المصرفي اللبناني أحياناً ويثير الإشكالات مع حزب الله. ولذلك، يبدو لبنان في مواجهة القطوع تلو الآخر على هذا الصعيد.

فما الذي يسجّله باروميتر القطاع المالي اللبناني من جديد في ملف العقوبات الأميركية؟

يوضح بعض المصادر أن مساعد وزير الخزانة الاميركية دانيال غلايزر استخدم خلال محادثاته الأخيرة مع المسؤولين اللبنانيين لغة صريحة، وشرح أهداف القانون الأميركي، رافضاً اعتباره تطوراً مستجداً تجاه لبنان أو سلوكاً استثنائياً تجاه حزب الله، وقال إنه استكمال لقوانين سابقة وقرارات تنفيذية صدرت خلال السنوات الماضية. وأوضح أن واشنطن تريد طمأنة الأميركيين والكونغرس والمصارف الاميركية، ولا سيما مصارف المراسلة، بأنّ النظام المصرفي اللبناني ملتزم إلى أقصى الحدود تطبيق القانون الرامي إلى منع تمويل حزب الله.

وأكدت المصادر أن الشائعات عن استعداد الكونغرس لفرض رزمة جديدة من العقوبات على حزب الله، ليست صحيحة. لكن مجلس النواب الاميركي يناقش في هذه الفترة إمكان فرض عقوبات جديدة على سوريا، قد يكون لها تأثيرات ايضاً على الحزب.

وأوضحت أن واشنطن ترفض التنسيق المسبق مع الجهات اللبنانية المختصة بشأن إصدار قرارات لإدراج اشخاص ومؤسسات على لائحة الحظر بتهمة العمل مع حزب الله لأنها بهذا الاجراء تحمي قطاع المصارف والدولة اللبنانية من الإحراج والاصطدام بحزب الله الذي سيتّهم المصارف والدولة بأنها شريكة في قرار العقوبات الأميركية.

إشارات إيجابية تجاه الحاكم

ويلتقي ذلك مع حرص المصرف المركزي على حلّ هادئ للأزمة على المستوى الداخلي. وبعد التوتر الذي ساد علاقة الدكتور رياض سلامة بحزب الله، تردَّد أن الحزب وجّه إشارات إيجابية إلى حاكم المصرف المركزي، أعلن فيها تقديره للقرارات التي اتخذها أخيراً والتي قضت بلجم بعض المصارف التي ذهبت بعيداً في تطبيق قانون العقوبات الأميركي، وعدم المبالغة في ذلك.
ووفق المصادر القريبة من الحزب، كان بعض المصارف اللبنانية ذهب إلى التماهي مع القانون الأميركي أكثر مما أراد الأميركيون أنفسهم. وقد جرى استهداف أشخاص لم ترد أسماؤهم على اللوائح التي تصدرها السلطات الأميركية، وجرى إقفال بعض الحسابات سريعاً.

ولكن، بعد التفجير الذي تعرّض له المقر الرئيسي لبنك لبنان والمهجر في فردان، في 12 حزيران الفائت، تغيّرت الأجواء وسط خشية أن يكون بعض المتضررين قد دخل على خط التخريب للاصطياد في الماء العكر.

وأصدرت هيئة التحقيق الخاصة في أيار الفائت إعلاماً يتضمن إيضاحاً لتعميم مصرف لبنان الرقم 137، المتعلق بأصول التعامل مع القانون الأميركي. وهو يمنح هيئة التحقيق سلطة بتّ طلبات المصارف إقفال حسابات مشكوك فيها، بعدما أقفلت بعض البنوك حسابات أشخاص وجمعيات خيرية ومستشفيات ومؤسسات تربوية غير مدرجة على لوائح العقوبات الأميركية. ولم تسمح الهيئة بإقفال حسابات لمستشفيات ولا لجمعيات خيرية أو تربوية، كما أنها رفضت تجميد أو إقفال حسابات غير مشكوك في عملياتها، وغير مشمولة بالعقوبات الأميركية.

وسطاء بين سلامة والحزب

وبناء على هذه الإشارات الإيجابية، تدخّل بعض الوسطاء بين الحزب والحاكم. وبعد مراقبة أداء الهيئة، بعث حزب الله برسالة إلى سلامة عبر أحد الوسطاء، تتضمن تقديراً لدوره في لجم بعض المؤسسات المصرفية، ومنعها من تحويل القانون الأميركي إلى أداة لمعاقبة بيئة المقاومة.

ووفق المصادر القريبة من الحزب، فإنه يراقب باستمرار أداء القطاع المصرفي، وهو لن يسمح بتحويل القوانين الأميركية إلى أداة للانتداب المصرفي. وهو في الوقت عينه ينظر بإيجابية إلى كل من يساهم في التخفيف من مغالاة بعض المصرفيين في هذا المجال.

سلامة متمسك بتفعيل القانون

وفي الموازاة، أعلن حاكم مصرف لبنان المركزي أنه سيتأكد من التزام البنوك المحلية بالقانون الأميركي. وأكد أنه يجب تفعيل هذا القانون من أجل إبقاء البنوك اللبنانية في إطار النظام المالي العالمي وتحقيق الاستقرار للاقتصاد المثقل بالديون، في الوقت الذي يتضرر فيه النمو وقطاع السياحة من الحرب الدائرة في سوريا.

وأشار سلامة إلى أن هذا القانون يخلق الكثير من التوتر في البلاد، والتوتر ليس أمراً جيداً، لكننا في شكل عام احتفظنا بأهدافنا، لكنه لم يكشف عن عدد الحسابات المصرفية التي أغلقت حتى الآن أو عدد الذين يخضعون للتحقيقات. وقال إن هذه العملية تحظى باحترام البنوك، وهناك لجنة التحقيق الخاصة التي تنظر في كل طلب لإغلاق حسابات يصفونها بأنها تخالف القانون. ولفت إلى أن القطاع المصرفي في لبنان هو حجر الزاوية للاستقرار في البلاد. فلبنان يجري تمويله من خلال القطاع المصرفي فقط.

وأضاف: البنك المركزي سيظل يحقق الاستقرار للاقتصاد حتى تصبح الحكومة أكثر فاعلية وتقر الموازنة وتعالج العجز الهيكلي مهما طال الزمن. والسيناريو الآخر سيء للبنان ومكلف أكثر من التكلفة التي نتحملها كمصرف مركزي للحفاظ على ثقة الأسواق.

وشدد على أن الثقة في البنك المركزي ما زالت مرتفعة وأنها تؤكد أن لبنان بإمكانه الاستمرار في تمويل نفسه. ويمكننا أن نستشف ذلك من الاستقرار الذي نشهده في أسعار الفائدة التي يتم فرضها على الديون اللبنانية والتي تقل كثيراً عن أسعار الفائدة المقابلة في دول أخرى بالعالم تحظى بالتصنيف ذاته. وأعتقد أن هذه الثقة مصونة. ونتوقع هذا العام نمواً في الإيداعات المصرفية بنحو ٥%. وبالطبع كنا سنصبح أسعد لو لم تكن هناك هذه القوانين التي تخلق توتراً في السوق.

حوار مع الأميركيين

تقول مصادر متابعة إن الأميركيين لن يتراجعوا عن إجراءاتهم، وسيعملون على تطبيق القانون بالكامل، وسيقومون بمعاقبة أي مصرف لبناني لا يلتزمه، وسيوقفون التعامل معه فتبطل عندها قدرته على التحويلات وتتعرقل عملياته المصرفية، ما يعرضه لضربة كاملة. ويعي حزب الله مخاطر وصول القطاع إلى الهاوية. والمصارف اللبنانية لا يمكنها تحمّل أية خسائر من هذا النوع.
وأكدت المصادر أن الحوار اللبناني مع الولايات المتحدة حول التقنيات التنفيذية للقانون تبدو مجدية أكثر من النزاع الداخلي حولها، إذ من المفيد التواصل الفعلي مع الإدارات المعنية في الولايات المتحدة للتحقق من الاتهامات كافة.

وفي هذا الإطار، يجري الحديث عن وساطة يقودها بعض القوى الشيعية ذات العلاقة المقبولة مع الإدارة الأميركية لإيجاد حل وسط يضمن الالتزام بالقانون الأميركي مع إيجاد استثناءات معينة لبعض المؤسسات التي تستفيد منها قطاعات قريبة من الحزب. وقد تسوق الوساطة حجة مفادها أن الاستهداف المباشر قد يزيد من التفاف القاعدة الشعبية حول الحزب.

*صحافية لبنانية عن التايمز