نوسوسيال

بقلم: الصحفي دجوار أحمد أغا/ الديمقراطية …..أولا وأخيرا

699

 

من الظواهر الغريبة والعجيبة التي تمر بها مجتمعاتنا خلال هذه المرحلة من تاريخنا المعاصر, هو عدم تطابق القول والفعل بالإضافة الى التباعد الكبير الحاصل بينهما على كافة الصعد, بين الواقع

والخيال, بين الفرد والمؤسسة, بين المواطن والادارة أو (الدولة). هذا التباعد لا يقتصر على فئة او طائفة او شريحة معينة من المجتمع, بل يشمل كافة شرائح وفئات المجتمع وهي ليست وليدة اليوم

بل هي نتيجة تراكمات كثيرة على مر السنين. لم تأتي من فراغ بل هناك جملة من الاسباب التي أدت الى بروزها بالشكل الذي نراه الآن مستفحلا في مجتمعاتنا في العمق, بحيث نحن الآن نواجه حالة

مربكة ومحيرة, فلا نعرف من أين نبدأ ولا ماذا نعمل؟ ولم نعد نستطيع التمييز بين الرئيسي والثانوي ولا نفرق بين السبب والنتيجة, وبين ما يجب أن نفعله اليوم وما علينا فعله غدا, مما أدى بنا في نهاية

المطاف الى الدخول في حالة من المتاهة والضياع والمرارة وترافق ايضا مع عملية القاء المسؤولية على الطرف الآخر.لحل هذه المعضلة لا بد لنا من إيجاد وسيلة وطريقة ما في سبيل الوصول الى حلول

دائمة للمشكلات التي يعاني منها المجتمع بكافة شرائحه. وبطبيعة الحال ليس هناك حل سوى الديمقراطية, هذه الديمقراطية التي يُعتبر الحوار هو الخطوة الأولى للسير على طريقها للحل وفي

 

الاتجاه الصحيح , والحوار بحد ذاته يحتاج الى ثلاثة مسلمات وبديهيات ضرورية وهي: – الاعتراف بالآخر بشكل فعلي وحقيقي وليس شكليا.- الحقيقة نسبية وليست مطلقة بالإضافة الى أنها ليست حكرا

على أي طرف.- التكافؤ في الحوار استنادا الى الاحترام المتبادل والجدية في الحوار للوصول الى حلول دائمة للقضايا والمشاكل العالقة. نأتي الآن الى مسألة الديمقراطية التي سوف نتعرف اليها

بشكل موجز ولكن واضح بدون لبس أو غموض . الديمقراطية هي الاساس ليس فقط لفهم المشاكل وإنما للتعامل معها وحلها بسلاسة, وهي -أي الديمقراطية- بمقدار حضورها بشكل ممارسة يومية,

وكقواعد وتقاليد عريقة, تضعنا في مواجهة مباشرة مع المسؤولية, وتضطرنا مجتمعين للبحث عن حلول للمشاكل والمشاركة في تطبيق الحلول وتحمل نتائجها, وتترك لنا الباب مفتوحا للإبداع

والتطوير والاجتهاد في إيجاد الحلول للمشاكل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي يُعاني منها الشعب. الديمقراطية بجوهرها العميق هي عبارة عن ممارسة يومية تطال معظم نواحي الحياة,

 

وهي اسلوب للتفكير والسلوك والتعامل وليست فقط اشكال مفرغة الروح أو مجرد مظاهر. أي هي حقوق اساسية دائمة ومن منطلق مشاركة الجميع في ابداء الرأي وصنع القرار وهي تخص الجميع

الاقلية والأغلبية بدون تهميش واقصاء احد. الديمقراطية ليست مطلبا سهلا, أو يمكن تحقيقها بين يوم وآخر, كما أنه لها من الأعداء أكثر بكثير من الاصدقاء سواء في الداخل أو الخارج, ولكن أخطر

 

هؤلاء الأعداء على الإطلاق هم أولئك الذين يُنادون بها وهم في حقيقة الأمر غير مقتنعين بها أو أنهم مقتنعين بها نظريا ولكن لا يمارسونها بشكل علمي أو يمارسوها بشكل خاطئ سواء على

 

مستوى العلاقة مع الأفراد أو ضمن الأسرة أو داخل أي مؤسسة أو دائرة ما. وفي الكثير من الأحيان يتساهل البعض بمفهوم وحدود الديمقراطية مما يُفسح المجال للحكام المتسلطين ويشجعهم على

سلب وحرمان الجماهير من ممارسة الديمقراطية. الآن في مواجهة الأزمة العامة والشاملة التي نعيشها خاصة في مناطق شمال وشرق سوريا, علينا أن نمتلك الجرأة أفرادا ومؤسسات وأن نقوم

بعملية نقد شاملة للمرحلة السابقة, وأن نعترف بفشل الكثير من الشعارات البراقة والأفكار التي تم طرحها, وكيفية تحقيقها وحتى الثمن الذي دفعناه للوصول اليها, وأن نُعيد ترتيب أولوياتنا ونحاسب

أنفسنا والآخرين بنفس المقاييس تمهدا لتحديد المسؤوليات للمرحلة القادمة . ومع ذلك ولكي لا نقع في الوهم علينا أن نعترف بأن الوصول الى الديمقراطية و ممارستها بشكل عملي وحقيقي صعب

وشاق, لأنه يتطلب من كل فرد وعلى جميع المستويات نضالا يوميا شاقا في مواجهة العقلية المضادة للديمقراطية, خاصة في ظل غياب الديمقراطية سابقا عن مناطقنا مما جعل احساس الناس

بها ضعيفا, والذي أدى بدوره الى أن ادعاء الذين سلبوا الجماهير حقها في ممارسة الديمقراطية بأن الجماهير لا تستحقها ولا تستطيع أن تمارسها وأنها حق لهم وحدهم فهم النخبة الحاكمة والمثقفة .
يجب علينا أن نؤكد أن الديمقراطية ليست مجرد مجالس وتمثيلية انتخابية بنسبة 99 بالمئة من الاصوات بل هي ممارسة عملية يومية من كافة الافراد والمؤسسات وهي حق الفرد والمجتمع معا

في الحرية والمساواة, والحق في التعبير والمشاركة, والحق في اختيار شكل نظام الحكم والحق في تعديله وتغيره إذا لزم الأمر . يجب الإقرار بحقوق الفرد والمجتمع ما له وما عليه وإعطائه حقوقه التي

تكفلها المعايير الدولية و الانسانية وأن تسمح له بممارسة هذه الحقوق عمليا. بناء المجتمع والمؤسسات و العلاقات على أساس ديمقراطي ليس بالشيء السهل على الإطلاق, لأن فاقد الشيء

لا يُعطيه, إن بناء الديمقراطية يتطلب نضالا لا هوادة فيه كما يتطلب اقتناعا لا يتسرب اليه الشك بالإضافة الى ممارسة يومية لخلق المناخ الديمقراطي. النضال من أجل الديمقراطية هي وسيلة

وغاية في آن واحد, إذ بمقدار ما يعني فهم الآخر و التعامل معه, يعني ايضا الوصول معا الى صيغة جديدة وافضل للعيش المشترك وتقبل الآخر, والديمقراطية تصبح غاية باعتبارها الصيغة المتطورة والرحبة والقادرة على تأمين احتياجات الانسان المادية والمعنوية .