نوسوسيال

تفاصيـل مصـرع المصممـة كاميليـا

593

اشتهرت بتصاميم قفاطينها المميزة وتوفيت في ظروف غامضة بعد أيام من اعتقالها بتهمة استهلاك المخدرات القوية

ماتت كاميليا اللعبي جميلة مصممات الأزياء، بعد أيام قليلة من إيداعها سجن بوركايز. وتحركت الألسن مفجرة اتهامات لأطراف متعددة، بإجهاض حقها في الحياة. لاكت سرا كلاما فضفاضا، وأحجمت عن الكلام المباح جهرا، لما أدركها صباح البحث عن الحقيقة الضائعة بين بلاغ إدارة السجون وخوف الناطقين برزنامة الاتهام لمسؤول بها وبسلك القضاء. كثيرون خاضوا في موضوع وفاتها الغامضة والمحيرة، لكن لا أحد تجرأ على الفضح، حتى من اتصلت بهم “الصباح” وأحجموا عن البوح بداعي حساسية الملف. الكل “بلع” لسانه والتكتم الشديد يثير الاستغراب، وعائلتها التزمت الصمت حقا مشروعا، عكس ما يقتضيه الأمر من كشف الفضائح إن وجدت، على الأقل تنويرا للرأي العام الباحث عن حقيقة الوفاة.

إعداد: حميد الأبيض (فاس)

دفنت كاميليا المصممة الجميلة التي أبكى فراقها الجميع، بعد التشريح الثلاثي لجثتها ووضع تقرير بين يدي الوكيل العام. والأمل ألا تدفن مع جثمانها، حقيقة ظروف وفاتها الغامضة غموض صمت من لهم صلة بالتحقيق الجاري في أسباب موتها. وفي انتظار انبلاج خيط الضوء الكاشف لحقيقة الوفاة، ركبت “الصباح” صور حياتها واعتقالها وموتها، وللقارئ حرية الاستنتاج.

طريق الموت

ساعات قليلة مرت على إيداع كاميليا العشرينية الفاتنة، جناح النساء بسجن بوركايز، حتى غادرته ليس إفراجا، إنما لمستشفى الغساني مستقبلها، بعد أزمة صحية طارئة تجهل أسبابها الحقيقية وجار البحث في شأنها، قبل أن تغادر مستعجلاته جثة هامدة إلى مستودع الأموات القريب، بعد إعلان وفاتها، في ظل تضارب الروايات وغياب الموقف الرسمي الكاتم للأصوات الغاضبة.
ماتت جميلة المصممات، الأحد بعد ساعات قضتها تحت المراقبة الطبية منذ نقلها للمستشفى في 24 يناير، وقامت قيامة غضب معارفها وأصدقائها، ولم تقعد. لكن سبب الوفاة، مجهول يحتاج إماطة لثام حقيقته.
مقربون من العائلة، تحدثوا عن مضاعفات إصابتها بداء السكري نتيجة قلقها الشديد وحالة التوتر والغضب بعد إيقافها بتهمة استهلاك المخدرات القوية (الكوكايين).
التشريح وحده القادر على إثبات إن كانت الوفاة ناتجة عن ارتفاع نسبة السكر في دمها، أم أن الحديث عن ذلك مجرد لغو، كما اتهام إدارة السجن والمسؤول عن الرعاية الاجتماعية، بالتقصير في تقديم المساعدة اللازمة لها وعدم تمكينها من جرعات أنسولين كفيلة بإعداد الاستقرار لحالتها الصحية. اتهام لم يفعل بتقديم شكاية/ الإجراء الذي رد عليه الدفاع بعبارة “لا أظن ذلك”.
بشكاية أو بدونها، فالتحقيق واجب لكشف الحقيقة ووضع حد للإشاعات وكبح تدافع الألسنة والشفاه، بينما اختار حقوقيو المدينة المتهافتون باستمرار على مثل هذه الملفات، شعار “كم حاجة قضيناها بتركها وغض الطرف عنها” لأسباب تعنيهم وحدهم دون غيرهم، في انتظار نتائج التشريح الطبي الموكول لثلاثة أطباء بمستشفى الغساني، بأمر من الوكيل العام باستئنافية فاس.

سكري قاتل
مرض كاميليا العشرينية النابضة حياتها بالحيوية، بالسكري لم يكن لعائلتها علم به كما بإصابتها بأي مرض مزمن، في غياب أي أعراض عليها قد تثير الشكوك، وهي التي كانت تتمتع بصحة جيدة. لكنه قد يكون طارئا وسببا للوفاة نتيجة الحالة النفسية التي عاشتها بعد إيداعها الثلاثاء الماضي السجن، وهي العاشقة للحرية وعيش الحياة بكاملها، في انتظار انكشاف الحقيقة.
لم تدخل “أيقونة التصميم” كما تلقبها زميلاتها، المستشفى إلا مرة واحدة بسبب مشاكل في الكلي، حقيقة كشفتها للطاقم الطبي بالسجن كما كشفت ذلك إدارته في بلاغ توضيحي لظروف وفاتها، بعد تداول ذلك إعلاميا، تبرئة لنفسها أمام اتهامها بالتقصير في تقديم المساعدة الطبية اللازمة للنزيلة، بعد إيداعها جناح النساء. لكن تأثر الكلي قد يكون نتيجة مضاعفات داء السكري.
إدارة سجن بوركايز قالت واستنادا لما أفصحت عنه مصممة الأزياء النزيلة به للطاقم الطبي حين استقبالها، أنها “لا تعاني أي أمراض مزمنة، ولا تتبع أي علاج خاص”، مشيرة إلى أن “الفحص الأولي للنزيلة، بين عدم وجود أي إصابات أو كدمات على جسدها”. وتحدثت عن ظهور حالة من الاضطراب في الوعي عليها، ما تطلب نقلها الجمعة الماضي إلى المستشفى.
للوفاة المفاجئة سبب وربما أسباب متعددة ومتشعبة قد تكون لها صلة بالمرض أو الحالة النفسية وقلة النوم والأرق والضغط. أما رواية الإدارة فقد تكون صائبة بشأنها، مثل الرواية عن تقصيرها في توفير مادة الأنسولين للنزيلة عند طلبها بعد ارتفاع نسبة السكر في دمها بشكل مفاجئ وغير مسبوق، إلى أكثر من أربعة غرامات ما اقتضى عناية طبية خاصة واستثنائية.

طريق السجن

صباح الثلاثاء 21 يناير أحيلت كاميليا في حالة اعتقال على النيابة العامة بابتدائية فاس، من قبل الضابطة القضائية بسرية الدرك بسيدي حرازم، بعد يومين قضتهما رهن الحراسة النظرية بعد اعتقالها عند سد قضائي بمفترق الطريقين الوطنيتين رقمي 6 و8 والمؤديتين تباعا لتازة وتاونات، كما صديقها وطليقته وشخصين آخرين بينهما دركي بتاونات، الموقوفين على ذمة القضية.
لم يكن لعائلة مصممة الأزياء المصدومة لفراقها المفاجئ، علم باعتقالها وإيداعها سجن بوركايز. ولم تخبر بذلك وبحراستها نظريا، إعمالا للفصل 66 من قانون المسطرة الجنائية الذي يكفل حقوقا متنوعة للموقوفين، ما قد يكون بطلب من الموقوفة تحاشيا لإحراج عائلتها بالنظر للموقف الذي وضعت فيه بعد إيقافها مع صديقها المتحوز على غرامين من الكوكايين. لم يحجز لدى المتهمة أي نوع من المخدرات غير كمية “الغبرة البيضا” المخبأة بالملابس الداخلية لمرافقها. لكنها أقرت باستهلاك الكوكايين من حين لآخر، وليس لحد الإدمان. اعتراف تلقائي أصبح قرينة بررت إيداعها السجن ومتابعتها في حالة اعتقال دون متهمين آخرين، بداعي عدم توفرها على الضمانات القانونية الكافية لتمتيعها بالسراح ولو بكفالة، رغم تقديم ملتمس بذلك.
اعتقالها أثار ضجة كبيرة رغم إحاطة ذلك بتكتم سابق لوفاتها الغامضة بعد خمسة أيام من سجنها.

من كتامة لبوركايز

رافقت كاميليا صديقها نهاية الأسبوع الماضي لمنطقة إساكن ناحية كتامة بالحسيمة، دون أن تدري أن رحلتها ستكون بداية دوامة من المشاكل ألقت بها بالسجن. لا أحد علم بأسباب ذلك غيرهما، رغم ما تلوكه الألسن من وجود شبهة التزود بزاد كاف من الكوكايين لصديق اتهم بالفساد والعنف وتسهيل استعمالها على الغير بعوض مالي واستهلاك المخدرات.
هناك بتلك البقعة الغارقة في كل موبقات الانحراف، التقيا بشخصين أحدهما دركي، قبل أن تلحق بهم طليقة السائق ابن عائلة فاسية معروفة، دون سابق إشعار أو سبب مقبول، ما فتح الوضع لانعطاف غير متوقع، بعد نشوب نزاع ثلاثي بينهم حتم عودة الأربعة دون الطليقة، أدراجهم إلى فاس في طريق موغل في مخاطر، أوقعتهم في قبضة الدرك عند مشارف العاصمة العلمية.
بمفترق الطرق قريبا من منتجع سيدي حرازم، أوقفت عناصر الدرك بسد قضائي، السيارة وأخضعتها لتفتيش دقيق في إطار إجراءات روتينية مألوفة بهذا المحور. رائحة الخمر من أحدهم، أثارت الشكوك، قبل تفتيش السائق والعثور على غرامين من الكوكايين مخبأين في ملابسه الداخلية، لتنطلق معاناة بدأت بالاعتقال والتقديم قبل الإيداع والوفاة.
الفساد واستهلاك المخدرات القوية ومحاولة تسهيل استعمالها على الغير وحيازة السلاح بدون مبرر والسكر العلني البين والسياقة في حالته، تهم لم يتوقعوها وزجت بهم في غياهب مخفر قضوا فيه ساعات في جحيم انتظار المصير، خاصة مصممة الأزياء التي لم تألف مثل هذه المواقف، ما أثر على نفسيتها التي ازدادت تدهورا، بعد إحالتها على النيابة العامة وإيداعها سجن بوركايز.

سفيرة القفطان المغربي

شغفت كاميليا المراكشي مصممة الأزياء الفاسية المشهورة إعلاميا بلقب “اللعبي”، بالقفطان التقليدي المغربي الأصيل منذ طفولتها. وكبر حبها وشغفها بتصميم مختلف أشكاله وتزيينها قماشا وبالتطريز اليدوي، في طفولتها قبل أن تحترف ذلك قبل بداية العشرين من عمرها، لتصبح واحدة من أشهر المصممات اللائي اشتهرت بينهن بجمالها الفاتن.
رغم بساطة التصميم واعتمادها تفاصيل تقليدية كلاسيكية، نالت قفاطينها طيلة سنوات احترافها التصميم، شهرة واسعة بين نساء مشهورات مقبلات ب”نهم” على ما تبدعه خاصة أنها برعت في اختيار الألوان ونوعية القماش وطبيعة وأشكال التزيين المختلفة الكفيلة بإظهار كل قطعة من القفطان بصورة أنصع وأوضح مثيرة للعين والقلوب المفتونة بجمالية تطريزها بشكل يدوي.
كانت تحرص في كل تصميم على صور متنوعة للتطريز ونوعية الحزام الأنسب للمرأة المرتدية للقفطان، أشكالا تعريفية لنوعية قفاطينها التي يمكن تمييزها بسهولة بين مئات المعروضات لطريقتها الفريدة والبسيطة والإضافات الكثيرة التي لا تتوانى في إضفائها على كل نوع تصممه باحترافية، بعد اختيار الأقمشة بعناية، كما الألوان وطريقة القص التي تميزها عن باقي المصممات.
ورغم صغر سنها أعادت كاميليا تقديم القفطان التقليدي المغربي بأساليب مبتكرة وجديدة تجمع بين اللمسة العصرية المستوحاة من الموضة العالمية والنمط الشرقي الغني بالأشكال والألوان. والنتيجة عدة تصاميم فاخرة وراقية مبهرة عشقتها نساء مشهورات ونجمات عربيات أقبلن على قفاطينها، التي عادة ما كانت تشارك بها في مناسبات لعرض الأزياء داخل الوطن وخارجه.
ولم يقتصر بروز كاميليا على تفرد تصاميمها للقفطان المغربي، بل امتد لمشاركتها الفعالة والوازنة في تظاهرات للموضة والجمال بينها مسابقة اختيار أصغر ملكة جمال المغرب التي احتضنتها فاس في يناير 2019 من قبل جمعية شباب نور المستقبل، وتوجت الطفلة نور المصدق، إذ كانت ضمن لجنة التحكيم إلى جانب النكافة بنشقرون وملكة الجمال ميس سندريلا