نوسوسيال

بقلم دجوار أحمد أغا:البناء الأخلاقي من الر كائز الأساسية في إحياء الضمائر

1٬415

جميعنا نشكو –ولنا الحق في شكوانا- وإذا كنا نأسف أيضا لما آلت اليه أحوالنا من خلال قلة الاهتمام بالقيم والاخلاق المجتمعية والتوجه نحو المصلحة الفردية والشخصية بعيدا عن المصلحة العامة, إلا

اننا ننسى في ذات الوقت؛ ان ما حدث لمجتمعاتنا إنما حدث على مر سنين طويلة ولم نكن ندرك ما يجري حولنا, لا بل على العكس من ذلك, كنا منبهرين ومعجبين بالمجتمعات الغربية ومدى تطورها

وانفتاحها على مفاهيم الحرية وحقوق الانسان والديمقراطية –التي هي شكلية بمعظمها- بالإضافة الى التطور والتقدم الهائل في مجالات البناء والعمران (ناطحات السحاب والابراج والفنادق

والمطاعم وغيرها ) حيث قمنا بتقليدهم ونقلها الى بلداننا وابتعدنا في الوقت نفسه القيم والمبادئ الاخلاقية التي بنيت عليها مجتمعاتنا من خلال عاداتنا وتقاليدنا وتراثنا الكبير. نعم نحن نعيش مشاكل

وازمات اجتماعية خطيرة مثل ( الادمان على المخدرات بمختلف انواعها – الدعارة – الفساد – النفاق و الكذب الخ …), لكننا ننسى أو نتناسى بأن السبب الرئيس وراء كل ذلك هو ابتعادنا وعدم التزامنا بعادتنا

وتقاليدنا و انفتاحنا على الثقافة الاجنبية الغريبة عن مجتمعاتنا .يولد الطفل بريئا؛ تلقائي التصرف, عفوي السلوك, لا يعرف الكذب ولا النفاق ولا الرياء. خلال سنواته الاولى يتكون لديه معرفة بما يدور

 

حوله, وفيما بعد ينشأ ضميره المنعكس من خلال ضمير والديه, ووفق ثوابت الخير والشر التي يُقرانها له, بحيث اذا احسن التصرف حسبما يرونه حسنا, نال منهم مكافأة وان اساء التصرف من وجهة نظرهم, تتم معاقبته. الطفل في جميع الاحوال عاجز عن فهم وادراك مفاهيم الاخلاق وحب الوطن

والمسؤولية والخير والشر والعقيدة الدينية, هذه المفاهيم جميعها تنشأ فيما بعد مع دخول الطفل الى سن الرشد والبدء بالوعي وادراك ما حوله .هذا الطفل الذي دخل مرحلة الرشد وأصبح شابا بالغا ينشئ لنفسه ثقافة خاصة به هي مزيجا من ثقافة وتربية الاهل بالدرجة الاولى ومن ثم الاصدقاء

والرفاق سواء بالمدرسة او بالمهنة التي يمارسها او ثقافة الشارع , ومن بعدها يكتسب بعض الصفات من محيطة والمجتمع الذي يعيش فيه. وهو أمر طبيعي في سائر مجتمعات العالم .

نأتي الآن الى ما يجري في مجتمعاتنا هنا في الشرق الاوسط عموما وشمال وشرق سوريا خصوصا . معظمنا أصحاب الأعمار المتقدمة نسبيا, نتذكر كيف كانت الدهشة تعترينا لدى سماعنا لشخص ما يتحدث باستنكارعما جرى معه لدى مراجعته لإحدى دوائر الدولة لإنجاز معاملة ما ويطلب منه

الموظف المسؤول رشوة لإنجاز معاملته, كان يثور ويغضب ويرفض الدفع ويهدد الموظف بتقديم شكوى بحقه , بينما في الطرف الاخر كنا نسمع شخص آخر صاحب معاملة يتحدث بدهشة أيضا كيف

انه لدى مراجعته لأحدى دوائر الدولة لإنجاز معاملته, يراها تسير دونما اية عرقلة, فيقول بأنه كان قد هيء مبلغا من المال لتقديمها كرشوة للموظف المسؤول عن المعاملة كي تسير, لكنها سارت دون الحاجة الى ذلك, ويستغرب الامر وكأن الرشوة أصبحت امرا طبيعيا في المجتمع وعدم قبولها هو استثناء!.
هذا ان دل على شيء انما يدل على اهتزاز اخلاقيات المجتمع, فالشخص الاول صاحب ضمير حي ويرفض تقديم رشوة بينما الموظف مرتشي وضميره ميت, اما الشخص الثاني فهوعلى استعداد لتقديم الرشوة و كأنها امر طبيعي في الدوائر ويستغرب كيف لم يتم طلب الرشوة, بينما الموظف صاحب ضمير حي .
لا بد لنا من ايقاظ ضمير المجتمع من السبات والعمل على تفعيله من خلال قيامه بدور المراقبة والمتابعة والمحاسبة إن اقتضى الامر, نستطيع القيام بذلك من خلال التأكيد للفرد بأن الضمير المجتمعي صاحب القيم و المبادئ الاخلاقية سيكون حاميا له ولأسرته, لذا من الواجب عليه أن يبادر

بالحفاظ على المصلحة العامة و يحرص على حماية مكتسبات المجتمع . لا شك ان حياتنا قد تعقدت ولم تعد تلك الحياة البسيطة التي كنا نعيشها والتي كانت تستند الى قيم ومبادئ اخلاقية نبيلة كالتراحم والتواد والحرص على المصلحة العامة, حيث كان المجتمع ينبذ كل من كان لديه نزعة فردية

وانانية ويلفظه خارجا, ولم يكن شعار “أنا ومن بعدي الطوفان” قد أصبح سائدا كما هو الآن. بينما في زمننا الراهن ازدادت تعقيدات الحياة بشكل كبير في ظل التراكمات والحروب والازمات التي تلقي بظلالها على المجتمعات الانسانية كافة , ومجتمعاتنا في شمال وشرق سوريا جزء من هذه

 

المجتمعات وبالتالي تأثرت بالمتغيرات وتعقيدات الحياة مثلها مثل غيرها من المجتمعات خاصة مع تطور الاعلام وظهور وسائط التواصل الاجتماعي بحيث اصبح العالم قرية صغيرة .إذا أمعنا النظر في بنية مجتمعاتنا نرى بأنها أضحت بحاجة ماسة الى قدوة للسير بها الى بر الامان في ظل هذه

المعممة , الكثير من افراد المجتمع تشكو وتتحدث وبغضب عن الفساد والرشوة والمحسوبيات في المجتمع وعدم وجود رقابة ومتابعة ومحاسبة لمن يقوم بهذه الاعمال التي تسيء للمجتمع, لكنهم ينسون أو يتناسون بأنهم أنفسهم من يشاركون في تقديم ولو جزء من التسهيلات التي تقدم لهؤلاء

المفسدين والذين ينعدم لديهم الضمير المجتمعي وذلك عندما لا يردعون المفسدين ولا يلفظونهم خارجا كما كانت تفعل ذلك المجتمعات الطبيعية منذ القديم . نحن نشعر ونرى بأن المواطن في مناطقنا أصبح كجزيرة منعزلة مستقلة عن الوطن يشعر بوحدة غريبة وانكفاء على الذات دون ان

يستطيع ايجاد حلا لمشاكله, الاهل والاقارب والجيران والاصدقاء لم يعودوا كما كانوا سابقا سندا وداعما للمواطن, فهم اما غادروا الوطن او يعمل ليلا نهارا من اجا تأمين لقمة العيش لأسرته وحمايتها, لذا اصبح غريبا عنه. نحن امام مواطن ليس له أي دور في مسيرة وطنه لم يعد المواطن

يبالي بما يجري في البلد, ليس فقط هذا, لكنه يترحم على الأيام الخوالي وخاصة على زمن النظام و يقول كان كل شيء متوفر وهناك امان وغيرها متناسيا ان السلطة الحاكمة كانت تتحكم بكل موارد البلاد وتسيطر على جميع خيرات البلاد وتمنعها عته . في ظِل الفوضى التي تضرب المنطقة والتي

تستوجب على معظم الذين يعيشون فيها أن يكونوا بقدر المسؤولية التي تقع على عاتقهم وتحمل مسؤولياتهم في الحفاظ على المكتسبات التي تم جنيها بتضحيات الكثير من أبناء الوطن. معاناتنا جماعية لكن الحلول تأتي فردية وأبشع ما يصيب الانسان هو احساسه بالعجز فيلكن لدينا شرف المحاولة . في البناء الاخلاقي لإحياء الضمائر الحية والقيم الإنسانية