نوسوسيال

بقلم وليد جولي/ “تطوير المجتمع الزراعي” بين النظرية والتطببق

1٬265

وليد جولي شمال شرق سوريا

من المفترض أن تكون “شركة تطوير المجتمع الزراعي” بمثابة المصرف الزراعي، أو المؤسسة العامة لتجارة وتصنيع الحبوب، أو كلاهما معاً، فمن خلالها كان يجب أن يتم تزويد الفلاح أو المزارع بكافة المستلزمات الزراعية، من بذار، وأسمدة، وأدوية زراعية، وقروض نقدية تُمكنه من تسديد نفقات الفلاحة وتشغيل مئات الآبار التي توقفت عن العمل بسبب الأزمة، علاوة على ذلك، إعطاء الأريحية للفلاح في عملية البيع والشراء السلس وبأسعار ثابتة وفق الأسعار العالمية أو ما يقاربها، ولكن للأسف نجد أن جل اهتمام الشركة ودعمها متجه نحو “القطاع العام ” والتي تُعرف بالجمعيات الزراعية، التي تقام على بعض الأملاك الزراعية التابعة للإدارة، ويتم تقديم الدعم الكامل لتلك الأراضي، بينما نجد القطاع الزراعي الذي يتبع الملكية الخاصة مهمشاً، ويتم التعامل معه وفق مفهوم “هم ونحن” أي نحن الإدارة، وهم الشعب، وهذا المصطلح السائد بالذات يعتبر من أخطر حالات الفصل بين الإدارة والمجتمع، فمن هذا المبدأ تم تحديد أسعار القمح والشعير وأيضاً من نفس المبدأ يتم توزيع الفواتير، وهو كيفية تحقيق الربح المالي للشركة عبر الفرق بين الدولار والليرة. في التجربة السوفييتية التي أثبتت فشلها، عمل جوزيف ستالين ضمن خطته الخمسية الأولى في الفترة الممتدة ببن ١٩٢٨- ١٩٤٠ على توحيد ملكية الأراضي الزراعية الخاصة في مزارع خاضعة لسيطرة الدولة، من خلال اتباعه أسلوب تهميش الخاص، ودعم العام أو سلطة الدولة، ما أدى إلى تعطيل وشلل كامل في عملية إنتاج الملكية الخاصة، واضطرار الفلاحين إلى التخلي عن أراضيهم الزراعية لصالح النظام الجماعي الذي أسسه ستالين (كولخوز و سوفخوز) الخاضع للدولة، ليتحول الفلاح من عامل يتمتّع بالحرية في كيفية اختيار عمله، إلى موظف لدى الدولة في تلك الجمعيات. توقعت القيادة السوفييتية بكل ثقة أن يؤدي استبدال الزراعة الريفية الخاصة بأخرى جماعية إلى زيادة كل من الإمدادات الغذائية لسكان المدن على الفور وامدادات المواد الخام للصناعات التحويلية والصادرات الزراعية. نظر المخططون إلى الزراعة الجماعية باعتبارها حلًا لأزمة التوزيع الزراعي (لا سيما إمدادات الحبوب) التي نشأت في عام 1927. تزايدت حدة هذه المشكلة مع استمرار الاتحاد السوفييتي في تنفيذ برنامجه الطموح للتحول الصناعي، وهو ما يعني ضرورة إنتاج المزيد من الغذاء لمواكبة الطلب في المناطق الحضرية. في أوائل ثلاثينيات القرن العشرين، أصبح ما يزيد عن 91% من الأراضي الزراعية خاضعًا لنظام الملكية الجماعية بدخول الأسر الريفية إلى نظام “المزارع الجماعية” بأراضيها ومواشيها وممتلكات أخرى، ولكن مستوى الوعي الاجتماعي شبه المنعدم والتخلف التكنولوجي، إلى جانب تسلط الدولة بأسالبيها الفوقية البيروقراطية، أدى إلى العديد من المجاعات في ذلك الوقت. أعتقد أنّ مفهوم الاقتصاد المجتمعي الذي تطرحه الأوجلانية كحل للقضايا الاقتصادية مغاير تماماً لتلك المفاهيم التي تدعي بضرورة تعميم الملكية وإخضاعها لسطوة الدولة، فهي تشجع العمل الجماعي ضمن إطار التعاون المجتمعي، ولكن ليس عبر التأميم أو تهميش الجانب الفردي أو الخاص، فبدون الفرد أيضاً، لا يمكن لعجلة الاقتصاد أن تستمر في الدوران. إنّ ظاهرتا الجزء من أجل الكل أو العكس لا يمكن أن يُكتب لهما النجاح، فالحاجة تقتضي الجمع بين الكل والجزء معاً، للوصول إلى عملية شبه الاستقلال الاقتصادي، وأي جانب يطغى على الآخر سيؤدي إلى حالة من الاحتلال الاقتصادي، وهذا ما عانته الهند من “شركة الهند الشرقية” البريطانية، طيلة سنوات احتلال بريطانيا للهند.