نوسوسيال

سوريا: بقلم دجوار أحمد اغا: الدولار في زمن الإنهيار

499

الزمن الذي نعيشه الآن , هو زمن الإنهيار بإمتياز, إنهيارالقيم والمبادىء والأخلاق , إنهيار الدول والمجتمعات , إنهياروتفكك العلاقات الأسرية والروابط العائلية , إنهيار إقتصادي و تدهور في القدرة الشرائية لدى الفرد . زمن التحول الى النظام العالمي الجديد , نظام الربح الأعظمي بأسرع الطرق وأقصرها , زمن الأرباح المتراكمة لرأس المال المالي . إنه يا سادة زمن الإنهيار .
” الأميركيون استخدموا القنبلة الذرية ضد اليابان مرتين فقط ولكنهم يستخدمون الدولار ضد العالم أجمع كل يوم ” . هذا ما كان يردده الرئيس الفرنسي الأسبق الراحل الجنرال شارل ديغول وإن كان بنوع من الغطرسة و الإستهزاء معا .
” لست أدري كم مواطنا شرق أوسطيا قد أمسك الورقة الخضراء بيده و تعرف عليها و إنتبه الى ما هو مكتوب عليها تحت ختم الولايات المتحدة الأميركية بالأحرف اللاتينية : NOVUS ORDO SECLORUM والتي تعني ترجمتها ” نظام العصور الجديدة ” . أعتقد لا أحد .”
رياض نجيب الريس زمن الصمت
ربما الكثير من المواطنين الشرق أوسطيين لم يتعرفوا بالفعل على العملة الخضراء , العملة الصعبة والأقوى في العالم أجمع . هذه العملة التي تتحكم بالإقتصاد العالمي و بالنظام العالمي الجديد أي نظام القطب الأوحد , فعلى الرغم من وجود عملات عالمية أخرى مثل اليورو الأوروبي و الروبل الروسي و الين الياباني و الجنيه الإسترليني و اليوان الصيني ,إلا أن الدولار يبقى سيد العالم و تُقاس كل العملات و البضائع و الممتلكات والمشاريع و التجارة و المواد الأولية وغيرها به .
بعد الحروب العالمية الأولى ( 1914 – 1918 ) و الثانية ( 1939 – 1945 ) والحرب الباردة بين الإتحاد السوفيني والولايات المتحدة الأميركية و معسكريهما , بقي قسم كبير من دول وشعوب العالم في أفريقيا و آسيا و أمريكا اللاتينية تعيش في ظل الإستعمار والإحتلال و التخلف وأصبحت تُعرف تحت مسميات عدة منها دول العالم الثالث – البلدان النامية – المستعمرات وأشباه المستعمرات وغيرها من التسميات التي أُطلقت عليها . لكن البعض من هذه الدول خاصة تلك التي تمتلك كميات هائلة من المواد الأولية و الموارد البشرية مثل ( الهند – البرازيل – ماليزيا – جنوب أفريقيا – باكستان …) إستطاعت القيام بخطوات من شأنها أن تعزز إقتصادها وقدرتها الشرائية في ظل الإرتفاع الكبيرالذي طرأ على أسعار المواد الأولية , لا بل وصل الأمر بها إلى حد إماكنية الإدخار أيضا , وهو ما دفع بالغرب الأوروبي والأميركي المستورد و المستهلك الرئيسي لتلك المواد الأولية وخاصة النفط , التلاعب بالأسعار وإغراق الأسواق المحلية في متاهات و أزمات متتالية بحيث أدى ذلك الى حدوث إضطرابات إقتصادية وسياسية ومواجهات بين هذه الدول , الأمر الذي حدا بها الى البدأ بشراء الأسلحة و المعدات الحربية من الغرب عموما ومن وريثة الإتحاد السوفيتي السابق ( روسيا الإتحادية ) التي تحاول أن تبقي على ثنائية القطبين العالميين – ولو شكليا على الأقل في منطقة الشرق الأوسط – .
خلال هذه المرحلة التي نعيشها والتي نستطيع القول بمفصليتها منذ بداية الحرب العراقية – الإيرانية ( حرب الخليج الأولى ) أعوام 1980 – 1988 ومن ثم إجتياح صدام حسين للكويت وبعدها عملية تحرير الكويت 1990 – 1991 (حرب الخليج الثانية ) فرضت الإمبريالية العالمية بقيادة الولايات المتحدة الأميريكية وحلفائها نفسها و بقوة على العالم الثالث وأصبح الدولار الأمريكي سيد المواقف والعملة الأولى عالميا مثلما هي صاحبته صاحبة القوة العسكرية الأولى في العالم . وبذلك أصبحت تسترد ما دفعته من أموال من أجل شراء المواد الأولية من منطقة الشرق الأوسط – تحديدا- بشكل أضعاف مضاعفة من خلال صفقات السلاح التي وقعتها مع حكومات دول المنطقة وكذلك خلال الزيارات التي قام بها الرئيس الأمريكي برفقة إبنته حيث تم إهدائها مئات الملايين من الدولارات خاصة في دول الخليج العربي . وهكذا سيطر الدولار على إقتصاديات دول المنطقة بشكل هائل وأصبحت العملة الوطنية فيها مجرد عملة للتداول المحلي وفقدت قيمتها بشكل كبير جدا , لا بل حتى الكثيرمن التجارة الداخلية ضمن هذه الدول أصبحت بالدولار .
نرى الآن بوضوح زمن سيطرة الدولار على العالم , زمن قهر الشعوب و الدول وحصارها إقتصاديا و إفقادها القدرة على شراء إحتياجاتها الأساسية , على الرغم من وفرة المواد الأولية و الأيدي العاملة لديها , لكن الحكومات الديكتاتورية واللاوطنية الحاكمة و المسيطرة في المنطقة أول ما تلجأ اليه , تحاول أن تُلغي من ذاكرة الشعوب قيم الإعتماد على الذات والتحرر والديمقراطية وذلك من خلال إستخراج أمجادا مزيفة من كتب التاريخ والتي هي بالأصل عبارة عن مزيج من الأوهام و الأكاذيب التي صنعتها بنفسها و تستعملها كإتهامات ضد الحريات و الديمقراطية .
الشعوب التي لا تمتلك ذاكرة , ليست شعوبا حرة . نحن شعوب الشرق الأوسط أصحاب ذاكرة و أصحاب حضارات و تاريخ حافل بالمقاومة والكفاح المستمر في مواجهة الغزاة الطامعين ومن أجل العيش بحرية وكرامة , كما أنه يوجد لدينا مخزون فكري وحضاري هائل من قيم ومبادىء وأخلاق نستطيع الإستناد إليها في مواجهة سيطرة الفكرالمادي المبتذل والمتمثل بسيطرة الدولار و تحكمه بلقمة عيشنا , لا بد لنا و لإدارتنا الموقرة في شمال وشرق سوريا تحديدا الإلتفات الى هذا التراث الفكري والحضاري الكبيروالإستناد اليه في القيام بإتخاذ إجراءات عملية وسريعة بغية الحد من هذا الإنهيارالكبير والسريع الحاصل في مجتمعنا .
معا يدا بيد نستطيع أن نتجاوز هذه المحنة و ننتصر في نهاية المطاف .
دجوار أحمد أغا خبير إعلامي وكاتب سوري