نوسوسيال

بقلم رودوس خليل : الغرفة التي شهدت الأحداث

863

 

 

 

الجميع يتذكر كيف غادر جون بولتون المستشار السابق لشؤون الأمن القومي للرئيس ترامب القن الأبيض كدجاجة منتوفة الريش ولكن لا أحد يعلم هل هو من قام بشد شعره من هول ما رآه وكيف يتخذ القرار في المطبخ السياسي وهو الصقر المعروف، أم سقطت حيلته وشعره لغرابة الإدارة فهو من المحافظين الجدد في الحزب الجمهوري الذي شكله وقاده نائب الرئيس الأمريكي السابق ديك تشيني ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد في ولاية جورج بوش الابن 2000-2008.

الغريب أن هذه الإدارة برئاسة ترامب كانت على اتصال دائم بجون بولتون من خلال مستشار الرئيس جاريد كوشنير حتى قبل تعينه مستشاراً للأمن القومي لتقديم المشورة والنصح حول سياسات أمريكا في التعامل مع إيران والقضايا الساخنة في الشرق الأوسط فالجميع يدرك مكانة هذا الرجل فهو عمل في إدارة الرئيس رونالد ريغان وبوش الأب وبوش الابن وله تجربة طويلة في السياسة محل احترام الجميع ولكن ما الذي حصل عندما عينه ترامب مستشاراً للأمن القومي وما الذي حصل خلف الأبواب المغلقة في المكتب البيضاوي بين عامي 2018 و 2019 فترة توليه هذا المنصب والنهاية بتقديم استقالته أو اجباره على تقديم الاستقالة التي كانت بمثابة الطرد المهين للصقر العجوز.

إن موضوع استقالة بولتون وخلافه مع الرئيس ترامب لن يمر هكذا دون البحث عن الأسباب الحقيقية لذلك وسبب إهانة هذه الشخصية فاستقالته تختلف عن جميع الاستقالات التي حدثت في إدارة ترامب ووزنه السياسي لا يقارن وأكبر من وزن وزير الخارجية تيلرسين ووزير الدفاع ماتيس ومستشار الأمن القومي السابق ماكماستر وأن مغادرته أحدث شرخاً كبيراً في الحزب الجمهوري ستتضح نتائجه في الانتخابات الرئاسية المقبلة 2024.

كتاب الغرفة التي شهدت الأحداث لجون بولتون كان الرد المحتمل والذي انتظره المهتمون لمعرفة ما جرى وأن اختياره لتاريخ صدوره وهو قبل تجديد الولاية الرئاسية لترامب كان الهدف منه الانتقام وضرورة معرفة الناخب الأمريكي بشخصية ترامب الحقيقية وأنه كان على يقين بأن إصدار الكتاب سيحدث ضجة سياسية كبيرة ولكنه لم يتوقع أنه سيغير الكثير من الأمور داخل أروقة السلطة في الولايات المتحدة في السنوات القادمة وأنه سيوجه الضربة القاضية لحظوظ ترامب في الظفر بولاية ثانية.

أدرك الرئيس الأمريكي السابق خطورة نشر الكتاب وأتهم بولتون بالكذب ووصف كتابة بالقذر الذي يعرض الأمن القومي الأمريكي للخطر لنشره مواضيع حساسة وأنه سيدفع ثمناً باهظاً على ذلك وطلب من البيت الأبيض رفع دعوة قضائية واستصدار إنذار قضائي ضد دار النشر وبولتون إلا أن الكتاب نجا من المراجعة الأمنية والاعتراضات القانونية من وزارة العدل وإذا كان البيت الابيض يتحدث عن الخطر فأنه قد وقع فعلاً بعد تسريب نسخة الكتاب قبل صدوره.

ما يهمني أن أضع القارئ الكريم في صورة كيف كانت تجري الأمور بخصوص النقاشات حول مصير الكرد في سوريا والانسحاب الأمريكي المفاجئ من هذا البلد وكيف كانت المشاعر الحقيقية لترامب تجاه الكرد والتي لا يعرفها الكثير في تلك الغرفة التي شهدت الأحداث وهي غرفة المكتب البيضاوي التي يقصدها بولتون وما هو السبب في التعامل الأمريكي بهذه الصورة الكارثية بمصير الكرد؟ هل هو عدم جدارة النخبة السياسية الكردية أم هذه الإدارة الغريبة.

ولكن قبل ذلك لا بد أن نقف على الصورة التي حاول رسمها بولتون لشخصية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وهي صورة صادمة لشخصية متهورة يستغل منصبه لخدمة مصالحه الشخصية على حساب مصالح الأمة وأنه رجل عتيق ينتقل من صفقة إلى أخرى في يوم واحد إلى حرب شاملة في مجرد ثواني وأن انسحابه من سوريا كان بسبب رفض بعض الدول العربية دفع كلفة التواجد الأمريكي والتي رفعها ترامب من 25% إلى 50% فالاجتماعات الأسبوعية التي كانت تعقد في البيت الأبيض حسب ما يورده بولتون أشبه بصراع على مائدة الطعام كما يفعله الصغار في مدارس الحضانة وأن الرئيس ترامب غير مؤهل لمنصب الرئيس بارتكابه تجاوزات عديدة في الكثير من الملفات وغير مناسب وفاقد للخبرة لكونه لم يشغل إي منصب سياسي في السابق كما الكثير من أعضاء إدارته.

فالرئيس الأمريكي لم يكن يعرف أن بريطانيا قوة نووية وكان يعتقد أن فلندا جزء من روسيا في اجتماعه مع بوتين في هلسنكي وأنه كان على وشك الانسحاب من حلف الشمال الأطلسي أن لم تدفع القارة العجوز ثمن الحماية وعلى الرغم من تصريحاته المتكررة بأنه لن يخوض أي حرب والتي وصفها بالحروب القذرة كان يقول سيكون من الجميل غزو فنزويلا واسقاط حكم الرئيس نيكولاس مادورو وأن فنزويلا جزء من الولايات المتحدة والغريب أنه كان يروج بأن الشعب الأمريكي سيطالب بتعديلات دستورية ليسمح له بالبقاء في السلطة لأكثر من دورتين رئاسيتين وقد ذكرها للرئيس الصيني في اتصال هاتفي ويقول بولتون أنه عندما تولى المنصب ألتقى بجون كيلي كبير الموظفين في البيت الأبيض الذي قال له: إن هذا المكان سيء للعمل كما ستكتشف بنفسك فالاجتماعات التي تجري تشبه المعارك الصبيانية وعليك أن تتذكر الماضي ليكون لك قرار يسمع.

وبالعودة إلى الملف الكردي وكيف ترك ترامب حلفائه الكرد يواجهون الآلة العسكرية التركية ما يقوله بولتون ستقف فيه أمام أكثر القصص التراجيدية في كتابه فالأزمة السورية كشفت عن عجز وفساد أخلاقي وجهل صارخ بما يحدث في هذا البلد وقدمت دلائل مروعة عن سوء فهم ترامب للموقف على الأرض السورية والعجز الغريب داخل أعضاء فريقه، فالرئيس الأمريكي لم يبذل أي جهد لحل الأزمة السورية وحماية المدنيين وأنه كان ينظر باحتقار لهذا البلد وأوقف المساعدة المقدرة ب200 مليون دولار لتحقيق الاستقرار في مناطق الإدارة الذاتية وأن جهوده فقط كانت للإسراع في تحقيق النصر على داعش والوقوف لإعلان النصر وتسجيل بعض النقاط لصالحه ويقول بولتون: أن ترامب وأثناء أحاديثه الخاصة كشف عن مشاعره الحقيقية تجاه الكرد (أنا لا أحب الأكراد لقد هربوا من العراقيين وهربوا من الأتراك والمرة الوحيدة التي لم يهربوا فيها هي عندما كنا نقصفهم بطائرات ف 16 ).

أعتقد أن ترامب قد أشار إلى موضوع خطير يعتبر من الأسرار التي لا يجب البوح بها وهي أن الولايات المتحدة تساعد الدولة التركية في قصف معاقل حزب العمال الكردستاني من خلال قاعدة أنجرليك وأن هذا التصريح لا يفهم منه غير هذا فمتى قصفت الولايات المتحدة الأكراد بطائرات ف 16؟

على الرغم من الضغوط الكثيرة لجون بولتون على الرئيس دونالد ترامب لتوجيه ضربات قوية للنظام السوري بسبب استخدامه الأسلحة الكيماوية فأنه كان يتلقى الرد الصادم وهو أن الغازات السامة ليست سوى وخزة دبوس.

ويتهم بولتون جيمس جيفري المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا بمحاباة الموقف التركي وأنه بلاء مزمن للسياسة الخارجية الأمريكية ويقدم تقارير ضبابية للرئيس ترامب ولولا التدخل القوي من جانب رئيس هيئة الأركان الجنرال جوزيف دانفورد لأنسحب ترامب من سوريا نهائياً وقدم للحليف التركي جميع المناطق التي يسيطر عليها الكرد في سوريا.

من خلال الكتاب نرى أن رؤية العديد من المسؤولين الأمريكيين لمقاتلي قوات سوريا الديمقراطية لم تكن إيجابية عند المقارنة بتركيا وكانت وزارة الدفاع (البنتاغون) أقرب إلى (قسد) من وزارة الخارجية وأن القرار المفاجئ بالانسحاب دفع بوزير الدفاع ماتيس للاستقالة ليس حباً بالكرد ولكن بسبب وجود خلايا نشطة لداعش قد تعاود الظهور بقوة من جديد.

أعتقد أن جون بولتون لم يكن يحب (قسد) وأن جميع تحركاته كان الهدف منها مواجهة إيران فهو العدو اللدود لملالي طهران وأن هذا التحالف بين وزارة الدفاع والمقاتلين الكرد الهاء عن هذا الهدف ويشير أن حزب العمال الكردستاني وجناحه السوري امتداد لمنظمة يسارية ولكنه كان ينادي بالتوازي في اتخاذ القرار فلا يجب التخلي عن الحليف الكردي نهائياً لكيلا يندفع الكرد باتجاه إيران وزعزعة ثقة الحلفاء بواشنطن حسب زعمه.

ونتيجة للضغط الإعلامي والصدمة التي أحدثها ترامب بقرار الانسحاب اتصل بنظيره التركي أردوغان وطلب منه تواجد الجيش التركي في المنطقة بشرط أن لا يهاجم الكرد ويركز على مكافحة داعش ولكن وسط هذا التذبذب من ترامب والضغط الشديد عليه من قبل الحلفاء وخاصة فرنسا من خلال اتصال آخر بترامب أكد له ماكرون أن جهود تركيا كلها موجهة للانتقام من الكرد وسيقيم تسوية مع داعش إلا أن ترامب تجاهل تحذيرات الرئيس الفرنسي فتدخل رئيس هيئة الأركان جوزيف دانفورد لتدوير الزوايا وقال: أنه يحتاج إلى عدة أشهر أخرى للقضاء على داعش وأن وجود القوات الأمريكية في سوريا أمر لا بد منه وانتهت الأمور إلى إعادة تموضع القوات الأمريكية في سوريا وإرضاء الجانب التركي.

أعتقد أن مجمل ما ورد في الغرفة التي شهدت الأحداث والتي هي بمثابة كارثة في الفصل الخاص بالكرد والانسحاب الأمريكي نستخلص منه الأدوار التي كان يلعبها أطراف الفريق المكون لإدارة ترامب دون التفكير بمصير الكرد بعد الاستيلاء على مدينة الرقة.

السيد بولتون كان يركز ويهتم بالنفوذ الإيراني وضرورة تحييده فيما تركيز ماتيس كان منصباً في القضاء على داعش وما كان يهم جيمس جيفري هي العلاقة مع تركيا أما ترامب فلم يكن يهمه سوريا بقدر ما كان يهمه قاعدته الانتخابية أما وزير الخارجية مايك بومبيو فكان يخاف من فقدان رضاء دونالد ترامب ولم يهتم أحد بالحليف الكردي وشهدائه في الحرب على الإرهاب.

فالجميع كانوا يلعبون وكان الأجدى أن يكون الطرف الآخر حريفاً وينسحب من اللعبة في منتصفها لتأتي الإدارة الأمريكية وهي خائفة من ضياع موطئ قدمها في سوريا لتمنحهم وديعة بنص مكتوب لحمايتهم وتقديم الدعم السياسي لهم بعد الانتهاء تنظيم الدولة الإسلامية.