نوسوسيال

بقلم رودوس خليل : جمهورية الباميا

528

 

اليوم العبارة الأكثر تداولاً وبامتياز في الجمهورية العراقية هي (ساخت إيران) وتعني صنع في إيران وهنا لا أشير إلى العبارة المكتوبة على السلع الإيرانية التي تغرق السوق العراقية فقط بل أعني كل الصور والشخصيات السياسية والقرارات الاقتصادية والصحية والدينية وحتى الرياضية التي تصدرها الحكومة العراقية  والتي تصاغ من السفارة الإيرانية في بغداد وقنصلياتها في البصرة وكربلاء والسليمانية ومن خلال ضباط في الحرس الثوري يحملون صفات دبلوماسية وهو ما يظهر في السياسات الداخلية والخارجية للعراق حتى أصبح قرار هذا البلد لا يوضع إلا بأقلام إيرانية وتتبع الموقف الرسمي لولاية الفقيه ومتطلباته ومن الأمثلة الكثيرة نذكر موقف العراق من الأزمة السورية وعاصفة الحزم.

تدرك إيران الأهمية الاستراتيجية لهذا البلد لكونه البوابة الذهبية للوصول إلى المنطقة العربية والتواصل مع حلفائها في سوريا ولبنان وباقي الدول العربية فعملت منذ العام 2003 إلى خربشة الفسيفساء العراقية والتوغل داخل المجتمع العراقي المليء بالتناقضات التي أوجدها النظام السابق واستفادت ودعمت التجربة الديمقراطية الأمريكية في العراق التي رأتها غير ناضجة ومبنية على المحاصصة الطائفية التي يسهل اختراقها فأتقنت اللعبة السياسية بما تملكه من النفوذ في الكثير من الأحزاب الشيعية العراقية التي تدين بالولاء لولاية الفقيه وترعرعت وقاتلت إلى جانب الجيش الإيراني في الحرب التي دارت ثماني سنوات فعملت على لم شملها وتشكيل التحالف الشيعي والكتلة الأكبر لتمهد لوصول مواليها إلى مركز القرار والسيطرة على مجلس النواب العراقي إلى الآن فأصبح الأوكسجين السياسي الذي تتنفسه الحكومة العراقية معبأ إيرانياً وبدا وجودها وتأثيرها في البلاد شرعياً بطلب من الحكومة العراقية التي بدأت تتحرك من خلال مستشارين إيرانيين يقدمون النصح والملاحظات التي ترسل من طهران.

قدمت الدول العربية أكبر هدية لإيران بعد الاحتلال الأمريكي للعراق بتركه وعدم تقديم يد المساعدة إليه وخاصة بعد سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على مساحات واسعة من البلاد فاستغلت إيران حاجة العراق ونجدتها وقدمت الدعم العسكري والاستخباراتي بعد تأخر الولايات المتحدة أيضاً فتقدمت قبل غيرها مستنداً إلى البعد المذهبي في تدخلها بحجة حماية الأماكن والمزارات الشيعية في العراق وكان لها الدور الأكبر في إصدار الفتاوي من المرجعيات الشيعية وأهمها الجهاد الكفائي وتشكيل الحشد الشعبي والذي قوامه الجماعات المسلحة المرتبطة بطاعة عمياء بولاية الفقيه فأكملت إيران زوايا مشروعها التوسعي والذي يبدأ في أحكام السيطرة على كل مفاصل الدولة العراقية.

كل هذه التحركات كانت تحت أنظار الولايات المتحدة التي شكلت تحالف واسع لمواجهة داعش وعلى الرغم من عدم دخول إيران في هذا التحالف فقد رحبت بالدور الإيراني وكان ذلك بمثابة الضوء الأخضر لها.

تعاملت إيران مع العراق بمعادلة رياضية عجيبة للوصول خطوة بخطوة إلى الحل النهائي وهي الهيمنة الكاملة على هذا البلد وتصوره كسجادة تنقش عليها ما تشاء ولم يكتفي الجانب الإيراني بالسيطرة على الأحزاب الشيعية وأجنحتها العسكرية التي تتناوب على السلطة بل مدت قوتها الناعمة المتمثلة في المجالات الاقتصادية والدينية لإتمام ما تريد.

ففي المجال الديني عملت إيران على إثارة القضايا الطائفية والترويج لفكرة المظلومية التي لحقت بالشيعة والتأثير على المرجعية ولعبت دوراً كبيراً في تمرير الكثير من القرارات السياسية عن طريق الفتاوي التي يصدرها رجال الدين المرتبطون بإيران ولن تهدأ إيران في هذا المجال حتى تضع رجل الدين محمود هاشمي شهرودي المولود في العراق والذي يعتبر من كبار المسؤولين الإيرانيين لخلافة المرجع علي السيستاني.

وعن طريق فكرة المظلومية تقوم إيران بالتركيز على الشباب العراقي وتجنيدهم في فصائل مسلحة تكون ولائها لإيران مستغلة الظروف الاقتصادية الصعبة لهؤلاء الشباب ليجدوا ما يطمحون إليه في صفوف هذه الجماعات مقاتلين في الخطوط الأمامية دفاعاً عن مصالح إيران ودون أن تورط إيران أي من أبنائها وجنودها في هذا الأمر.

أما مسلسل التوغل الإيراني في الاقتصاد العراقي فما زال مستمراً على كل الأصعدة وفي مختلف القطاعات الصناعية والزراعية والتجارية والاستثمار والسياحة الدينية فإيران الشريك رقم واحد للعراق الآن وقيمة التبادل التجاري وهو من جانب واحد يصل إلى 12 مليار دولار وذلك بإغراق السوق العراقية بالمنتجات الإيرانية وتقوم بترهيب الشركات الأجنبية التي تحاول العمل في العراق بإطلاق يد الجماعات المسلحة لابتزازها والضغط عليها لترك الساحة الاقتصادية العراقية لتبقى الشركات الإيرانية لوحدها التي لا تتعرض لهذه الأعمال.

ومن الشركات الكثيرة التي تنشط الآن في الساحة العراقية والتي أغلبية مدراءها ضباط في الحرس الثوري الإيراني يعملون في السفارة الإيرانية بغطاء دبلوماسي شركة الكوثر وهي شركة مقاولات أسسها فيلق القدس عام 2003 وتم الإعلان عنها أنها شركة لتقديم المساعدات الاقتصادية والإنسانية ألى العراق إلا أنها في الحقيقة شركة عنكبوتية على طول العراق بأسماء وعقود وهمية توقع معها الحكومات العراقية.

ومن الشركات أيضاً شركة مبتا وهي شركة تابعة لوزارة الطاقة الإيرانية التي كان لها الدور الأكبر في تدمير المصافي النفطية في محافظة صلاح الدين بعد تحريرها من سيطرة داعش فرفعت إيران صادراتها النفطية إلى العراق من 30% إلى 50%ومن الشركات الغريبة شركة فلاي بغداد وهي تابعة للخطوط الجوية العراقية ومملوكة لعائلة عمار الحكيم وتشارك عائلة الرئيس الإيراني السابق رفسنجاني 30% من أسهمها.

لا ننسى الدور الكبير لإيران في التأثير على الانتخابات المختلفة في العراق وضرورة دخول الأحزاب الشيعية في قوائم موحدة وعدم تشتيت الصوت الشيعي فهي تملك المفتاح والتوقيع النهائي لمن يريد الوصول إلى الرئاسات الثلاث وفي سابقة غريبة عملت إيران بكل ثقلها على وضع الرئيس الحالي برهم صالح في موقعه رغم أنها كانت لا تعطي أهمية لهذا الموقع الفخري.

من الصعب جداً رفع اليد الإيرانية عن العراق بعد كل هذا التغلغل الرهيب والفساد والنهب المنظم التي تمارسه إيران من خلال أزرعها وسيطرتها على جميع مفاصل الحياة في هذا البلد وخاصة بعد أن أصبحت كل عائلة عراقية تملك راتباً من خلال أحد أبنائها في الفصائل المسلحة.

إن تغير شكل العراق استجابة للمظاهرات التي لا تتوقف من قبل شرائح واسعة من الشعب العراقي والتي تنادي بضرورة إخراج إيران من العراق ستكون له عواقب كارثية وربما إشعال حرب أهلية مدمرة للعراق وأن محاولات رئيس الوزراء العراقي الحالي مصطفى الكاظمي التصدي للفساد والاقتراب من حيتان الفساد المحسوبة على إيران ستواجه برد عنيف من الفصائل وتبقى جميع الاحتمالات واردة وربما تتكرر مأساة رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري عندما أصطدم مع حلفاء إيران في لبنان.

إن العرض العسكري الذي أقيم في العاصمة بغداد مؤخراً كانت رسالة واضحة للكاظمي من مغبة التقرب إلى الدول العربية ومحاولة تغير الواقع في العراق.

أعتقد أذا حاول الكاظمي المضيء بمشروعه هذا أو أي رئيس وزراء عراقي قادم فسيكون العراق أمام السيناريو اليمني عندما قامت ميليشيات الحوثي بالاستعراض العسكري في العاصمة صنعاء ومن ثم الانقضاض على الحكم بإيعاز من إيران فعندما تشعر الفصائل المنضوية في الحشد الشعبي التابعة لإيران بالخطر فستقوم بالانقلاب والاستيلاء على الحكم وأن زيارة قأآني قائد فيلق القدس إلى بغداد في الأيام الماضية واصداره بياناً تهديدياً باسم الحشد الشعبي للحكومة العراقية واضح جداً كتابته في إيران.

إن العراق لا يملك السيادة في قراراته وأن إرادته مسلوبة بالتهديد وحكوماتها المتكررة تعين من الخارج ولا تملك من الأمر شيئاً.

فمن المعروف أنه عندما يحتاج أحد السياسيين التأكيد على سيدة بلاده يقول لسنا من جمهوريات الموز التي تطلق للانتقاص من دولة غير مستقرة سياسياً واقتصادياً وتستخدم بطريقة ساخرة لوصف حكومات بعض الدول التي يكون قائدها منساقاً لقوة خارجية.

ولكن أين العراق من الموز؟

الخلاصة: هذا هو العراق اليوم بلد الأربع ملاين من النفط يومياً تشتري الطاقة من إيران والبلد الذي كان ينتج ثلاثة أرباع إنتاج العالم من التمر تقوم بشراء التمر من إيران أيضاً بعد إن قامت إيران بتغير مجرى نهر الكارون المقابل للجانب العراقي المحمل بالكثير من المخلفات النفطية مما أدى موت الملايين من أشجار النخيل فالجمهورية الإسلامية قامت بالاستيلاء على كل شيء ولم تسلم إلا الباميا لتكون العراق جمهو