نوسوسيال

بقلم رامي الشاعر: ماذا تنتظر الملفات العالقة من بايدن؟

390

 

ماذا تنتظر الملفات العالقة من بايدن؟

في أول محادثة هاتفية بين الرئيسين الروسي، فلاديمير بوتين، والأمريكي، جو بايدن، اتفق الجانبان على تمديد معاهدة الحد من الأسلحة الاستراتيجية “ستارت 3”

وأعرب الرئيسان عن ارتياحهما للتوصل لاتفاق بهذا الشأن.
وذكر بيان للكرملين أن المحادثات “تناولت الانسحاب الأحادي للولايات المتحدة الأمريكية من اتفاق السماوات المفتوحة، وقضية الحفاظ على خطة العمل الشاملة المشتركة الخاصة بالبرنامج النووي الإيراني، والتسوية في أوكرانيا، وكذلك المبادرة الروسية بشأن عقد قمة للدول دائمة العضوية في مجلس الأمن التابع لهيئة الأمم المتحدة”.

من جانبه وصف الرئيس الروسي تمديد “ستارت 3″، خلال خطابه أمام منتدى دافوس الاقتصادي، بأنه “خطوة في الاتجاه الصحيح”، إلا أنه عاد وأشار إلى التناقضات الملتوية والمتصاعدة على هيئة “دوامة”، ونوّه إلى أن “عدم القدرة وعدم الرغبة في حل مثل تلك القضايا في جوهرها أدت في القرن العشرين إلى كارثة الحرب العالمية الثانية”.

وأعرب بوتين عن أمله في أن يكون مثل هذا “الصراع العالمي الساخن” قد أصبح مستحيلاً الآن من حيث المبدأ، وقال: “أنا حقاً آمل ذلك، فذلك يعني نهاية الحضارة”.

لكن الوضع، وفقاً لبوتين، يمكن أن يتطور على نحو غير متوقع، ولا يمكن السيطرة عليه، إذا لم تُتّخذ الإجراءات الكفيلة بمنع ذلك، فهناك احتمال لمواجهة انهيار حقيقي في معدلات التنمية العالمية، الذي يهدد بمخاطر الفوضى، التي يتصادم فيها الجميع ضد الجميع، مع محاولات لحل التناقضات الملحّة من خلال البحث عن أعداء “داخليين” و”خارجيين”، وتدمير ليس فقط القيم التقليدية التي تحترمها روسيا، مثل الأسرة، ولكن أيضاً قيم الحريات الأساسية، والخصوصية، وحرية الاختيار.

ثمة تفاؤل حذر بوصول الرئيس الأمريكي، جو بايدن، وفريقه الديمقراطي إلى الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية، والذي ربما يكون صفحة جديدة، لا تخص فقط العلاقات الروسية الأمريكية المتأزمة للغاية، وإنما فيما يخص المنطقة العربية أيضاً.

يعتزم بايدن إعادة الولايات المتحدة الأمريكية إلى “قيادة العالم مرة أخرى”، بعد السياسة “الانعزالية” التي اتبعها سلفه ترامب، والذي صب كل اهتمامه على “جعل أمريكا عظيمة مجدداً”، لا ترى في العالم شركاء وحلفاء، وإنما ترى فيه آبار نفط وزبائن وصفقات بمليارات الدولارات، إلا أن بايدن، مع ذلك، لن يولي الشرق الأوسط الاهتمام الذي كانت تحظى به المنطقة في السابق من قبل الإدارات الأمريكية المتعاقبة، نظراً لتراجع أهمية النفط، بفعل ثورة النفط الصخري في الولايات المتحدة الأمريكية التي غيرت من توازن الإمدادات في الأسواق العالمية، وانغماس الإدارة الجديدة في البحث عن آلية وقضية لتوحيد الشعب الأمريكي المنقسم على نفسه كما لم يحدث من قبل، وتعامل الولايات المتحدة مع التهديدات الاستراتيجية المتمثلة في الصين وروسيا، وسعيها لإعادة بناء التحالف الغربي، الذي تعرّض لضغوط كثيرة خلال الإدارة السابقة، كذلك سوف تحتل القضايا العالمية مثل قضايا التغير المناخي ومكافحة الأوبئة مكانة بارزة في أولويات الإدارة الجديدة، خاصة مع تفشي فيروس كورونا في الولايات المتحدة على نحو خطير.

لكن فريق الرئيس بايدن، من ناحية أخرى، ليس بعيداً عن الشرق الأوسط، فوزير الدفاع، لويد أوستن، أول وزير دفاع أمريكي من أصول إفريقية، كان آخر قائد للقوات الأمريكية في العراق، وكان قائداً للقيادة المركزية المسؤولة عن الشرق الأوسط، ورئيس المخابرات المركزية الأمريكية، وليام بيرنز، شغل منصب سفير الولايات المتحدة الأمريكية في الأردن، ومساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، وسفير الولايات المتحدة الأمريكية لدى روسيا، ووزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، كان ضمن مستشاري الأمن القومي للرئيس أوباما، ولنائب الرئيس بايدن، خلال الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، والذي حظي بموافقة بايدن، وكان من بين الداعين إلى تدخل أمريكي أكثر فاعلية في الصراع السوري، وصرح بهذا الصدد أن الولايات المتحدة الأمريكية سعت إلى تجنب تكرار تجربة العراق من خلال عدم القيام بالكثير، فارتكبت الخطأ المعاكس المتمثل في “عمل القليل جداً”.

تبدو نوايا الإدارة الحالية، من خلال جلسات الاستماع وتثبيت التعيين، التي عقدها مجلس الشيوخ لمرشحي الرئيس بايدن لشغل المناصب ذات الصلة بالشؤون الخارجية، بعيدة عن التورط عسكرياً في أي مغامرات في المنطقة، فلا الإدارة ولا الرأي العام مستعد لاستيعاب أي حروب أمريكية جديدة في الشرق الأوسط. ولكن في ذات الوقت، فإن هذه الإدارة لا ترغب، وربما لا تستطيع الانسحاب من المنطقة، لكنها تنوي الاعتماد على الدبلوماسية بشكل مكثّف، والعمل مع حلفائها الإقليميين، خاصة بعد تصنيف بعض دول الخليج مؤخراً “شركاء أمنيين رئيسيين”، وتكوين جبهة خليجية واضحة، يمكن أن تساهم مع توليفة الوجود العسكري المحدود والدبلوماسية النشطة في تحقيق الأهداف الأمريكية في المنطقة.

لقد ناقش الرئيسان الروسي والأمريكي، ضمن محادثتهما الهاتفية الأولى، قضية الحفاظ على خطة العمل الشاملة المشتركة الخاصة بالبرنامج النووي الإيراني، وهو ما يشي باهتمام وموقف واضح لدى الإدارة الجديدة بالاتفاق النووي الإيراني، وربما البحث عن صيغة تستطيع بها الإدارة الحالية من استثمار خروج ترامب من الاتفاق النووي، ووضع إسرائيل مع حلفائها الخليجيين الجدد، وكذلك الوضع الراهن الذي ساهمت في تشكيله جائحة كورونا والأزمة الاقتصادية العالمية، في فرض شروط جديدة على إيران، وتأثيرها في المنطقة.

في هذا السياق أعلنت الإدارة الأمريكية الجديدة تعليق صادرات السلاح إلى المملكة العربية السعودية والإمارات بشكل مؤقت، إلى جانب مطالبة طهران بالالتزام بشروط الاتفاق النووي. من جانبه صرح وزير الخارجية، أنتوني بلينكن، بأنه إذا ما عادت إيران إلى الالتزام بالاتفاق، فإن واشنطن ستسعى إلى بناء “اتفاق أطول وأقوى” يتناول مسائل أخرى “صعبة للغاية”، وتشمل تطوير طهران لصواريخ باليستية، ودعمها قوات تعمل بالوكالة في العراق وسوريا ولبنان واليمن.

وفي لقاء وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، ونظيره الإيراني، محمد جواد ظريف، الثلاثاء الماضي، عبّر لافروف عن اهتمام موسكو بالحفاظ على الاتفاق النووي، وقناعته أن “الطريق إلى ذلك يكمن حصراً في التنفيذ الكامل والمتسق لأحكام هذه الوثيقة الهامة من قبل جميع الأطراف المعنية، وبالتوافق التام مع قرار مجلس الأمن”، وأعرب الوزير الروسي عن أمله في أن تعود الولايات المتحدة الأمريكية إلى التنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن رقم 2231، وهو ما يهيئ الظروف لإيران للالتزام بجميع بنود الاتفاق النووي.

على صعيد آخر، أعلنت الإدارة الأمريكية عن افتتاح مكتب منظمة التحرير الفلسطينية لديها، في سبيل العودة لمفاوضات السلام مع إسرائيل، والتوقف عن اللجوء للمنظمات الدولية ضد تل أبيب. وفي اتصال بين وزير الخارجية الأمريكي، بلينكن، ونظيره الإسرائيلي، جابي أشكينازي، أعلن بلينكن عن التزام واشنطن بأمن إسرائيل ومواصلة العمل معها لدفع عملية السلام في المنطقة، ومواجهة التحديات المقبلة، مشيداً باتفاقيات السلام والتطبيع التي وقعتها كل من الإمارات والبحرين والسودان والمغرب مع إسرائيل.

في الوقت نفسه أوضح بلينكن أن وزارته تنظر بشكل عاجل في قرار إدارة ترامب تصنيف المتمردين الحوثيين تنظيماً إرهابياً، وأنها تودّ التأكد من قدرة هيئات الإغاثة على توصيل المساعدات.
لقد ذكر الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في خطاب دافوس آنف الذكر أن العصر المرتبط بمحاولات بناء نظام عالمي أحادي القطب قد انتهى إلى غير رجعة، فالاحتكار بطبيعته يناقض ببساطة التنوع الثقافي والتاريخي للحضارة الإنسانية.

والحقيقة الماثلة اليوم أمام العالم هي أن مراكز جديدة للحضارة قد ظهرت في العالم بنماذجها وأنظمتها السياسية ومؤسساتها الاجتماعية المميزة، وبات من المهم للغاية “بناء آليات لتنسيق مصالح هؤلاء اللاعبين الجدد، حتى لا يتحول التنوع والمنافسة بين أقطاب التنمية إلى فوضى، وسلسلة من الصراعات طويلة الأمد”.

في ضوء التفاؤل الحذر بالادارة الاميركية الجديدة ، فان
تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2254، من خلال خارطة الطريق التي حددها مؤتمر الحوار الوطني السوري السوري في سوتشي عام 2018 قد تدفع إدارة بايدن الى مواقف معتدلة.

المهم رفع المعاناة عن الشعب السوري، بعد أن تفاقم الوضع على نحو كارثي بسبب تداعيات عقوبات “قانون قيصر” وجائحة كورونا والحرب المستمرة منذ عشر سنوات. فمن غير المعقول أن يعقد اجتماع اللجنة الدستورية المصغّرة في جنيف للمرة الخامسة، وتدور المناقشات حول قضية “العروبة كرابط حضاري جامع للهوية الوطنية” والتنظير في مبدأ الكرامة الإنسانية وضرورة حماية الإنسان وحقوق النساء التي تكتسب بعد نضال!
نعم، هذا هو مستوى النقاشات التي تدور الآن في جنيف.

اما في اليمن فلن يكون هناك أي آفاق لحل الأزمة اليمنية إذا ما استمرت المملكة العربية السعودية أو ما يسمى بالتحالف العربي في متابعة نفس النهج في إدارة الملف اليمني، ويجب اتباع سياسات أخرى تفسح المجال أمام هيئة الأمم المتحدة للقيام بدورها الأساسي ودعم اليمن مادياً لإنهاء الكارثة الإنسانية التي يعيشها الشعب اليمني.

لقد بحث مبعوث الرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط وإفريقيا، نائب وزير الخارجية، ميخائيل بوغدانوف، مع وزير الخارجية في الحكومة الليبية المؤقتة بشرق ليبيا، عبد الهادي الحويج، سبل دعم الحوار الليبي. وأكّد بيان الخارجية الروسية على اهتمام موسكو بالوضع في ليبيا ومحيطها، والتشديد على مهمة المساعدة بشكل فعّال في دعم الحوار الليبي المستقر، بمشاركة كافة القوى السياسية البارزة في البلاد، بهدف تنفيذ مقررات مؤتمر برلين الدولي، وبنود قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2510.

وتدعو موسكو جميع الفرقاء الليبيين الى التعاون مع الجهود المبذولة من هيئة الأمم المتحدة لإجراء انتخابات وابتعاد المسؤولين الليبيين الحاليين عن محاولات اللجوء لابتكار سيناريوهات جديدة حفاظاً على مواقعهم في السلطة من خلال وجوه أخرى، حيث يجب فتح المجال وإعطاء دور أكبر لزعماء العشائر والقبائل للتوصل لمصالحة وطنية شاملة تحقق وحدة وسلامة أراضي وسيادة ليبيا.
لقد دعا الرئيس اللبناني، ميشال عون، يوم أمس مجلس الأمن المركزي للانعقاد وتقييم الأوضاع في البلاد، على خلفية الاحتجاجات الشعبية في طرابلس ومدن أخرى، حيث قطع المحتجون عدداً من الطرقات الرئيسية في المدينة بالإطارات المشتعلة، وأقفلوا بعض الشوارع الرئيسية، فيما ألقت قوى الأمن قنابل الغاز المسيّل للدموع لتفريق المحتجين، ويأتي ذلك بعد وفاة شاب متأثراً بجروح أصيب بها إلى جانب المئات في صفوف المحتجين وقوى الأمن خلال المواجهات التي تشهدها المدينة.

أصبح واضحاً أن حكومة تصريف الأعمال عاجزة عن القيام بدورها، ولا تستطيع، على سبيل المثال لا الحصر، حتى التصرف بالمساعدة التي قدمها صندوق النقد الدولي بقيمة 170 مليون دولار لتجاوز الأزمة الاقتصادية التي تسببت فيها جائحة كورونا. أصبح الوضع غير محتمل، وبات تشكيل حكومة اختصاصيين حيادية كي يتجاوب معها المجتمع الدولي مسألة حياة أو موت بالنسبة للبنانيين. فالمجتمع الدولي بحاجة لحكومة لبنانية يتعامل معها كي يتمكن لبنان من الإفراج عن المساعدات الواردة إليه من البنك الدولي وغيره من المؤسسات المالية والدول الأخرى، وتشير كل المؤشرات إلى أن رئيس حكومة لبنان المكلّف، زعيم “تيار المستقبل”، سعد الحريري، هو الشخصية الأكثر تأهلاً وقبولاً لتشكيل هذه الحكومة. وقد علّق “تيار المستقبل” على الأحداث بأن “هناك معلومات تؤكد وجود أمر مريب يعود بالذاكرة إلى مراحل الفلتان الأمني والاشتباكات المسلّحة التي كانت تحصل عند الطلب في طرابلس”.

وواضح فأن المماطلة والتسويف في تشكيل الحكومة اللبنانية سيحمل تبعات كارثية على الشعب اللبناني في الأشهر القريبة المقبلة.

أما فيما يتعلق بفلسطين فقد أصبحت عملية استعادة الوحدة الفلسطينية وتعزيز دور منظمة التحرير الفلسطينية، أمراً لا مفر منه، ولا بد لجميع التنظيمات الفلسطينية النأي بالنفس عن الخوض في أي تفاصيل يمكن أن تعيق تحقيق ذلك، ويجب اعتبار القرار الذي اتخذه الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، والذي تكلل بمرسوم رئاسي بخصوص إجراء انتخابات، بمثابة إعلان لنهاية الخلاف بين فتح وحماس، وفتح صفحة جديدة تسودها أجواء بنّاءة لترتيب عملية الإعداد للانتخابات، بعيداً عن السعي لأي مكاسب تنظيمية ضيّقة لأي من التنظيمات الفلسطينية.

ان إنهاء الخلاف بين دول الخليج بادرة مطمئنة لبدء استعادة دور جامعة الدول العربية في العمل على مصلحة العالم العربي، فالإمكانيات العربية ضخمة، ويجب استغلالها لتحقيق مصالح الدول العربية، ولإنهاء مأساة الملايين من شعوبنا العربية، بغرض تغيير خريطة التنمية في المنطقة العربية من أجل انتعاش الاقتصادات العربية والرخاء والازدهار لشعوب المنطقة.

رامي الشاعر
كاتب ومحلل سياسي
صحيفة “زافترا”