نوسوسيال

بقلم حسن ظاظا:لماذا الارتداد الفكري والثقافي والإعلامي في سوريا…؟!!

640

 

 

غدت فنون الثقافة على امتداد تاريخ طويل بكل أنواعها ومسمياتها في المدن والمحافظات السورية بتعدد لغاتها ولهجاتها وبالتحديد مدينة «قامشلو» وظهرت مجموعة من المثقفين خدموا الثقافة السورية بدون أي ثمن معنوي أو مادي أو إغراء مادي, بل امتازوا بحيويتهم وجهودهم وخصالهم التي أسدوا من خلالها خدمات كبيرة إلى الشعب السوري ..ومنهم كانوا من العرب والكرد, والسريان والأرمن.. والكلدان والآشور والإيزيديين والشركس والشيشان والتركمان والأرناؤوط, كل هذه المكونات التي تعيش في سوريا لعبت دوراً في الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية, وساهمت في النضال الوطني وتحقيق الاستقلال لسوريا .

ولكن عند استلام السلطة من قبل حزب البعث الذي استباح الميدان الثقافي من الجهلاء والدخلاء , انفلتت الأمور من عقالها وكبلت الثقافة السورية بثقافة الحزب الواحد, وكتابات حول خطب وأقوال منطلقة من فم الرؤساء الذين توالوا على سدة الحكم بعهد البعث ..وآخرهم الدكتاتور حافظ الاسد ووريث الدكتاتورية ابنه المجرم بشار الأسد, وأصبحت الثقافة السورية رهينة لسياسة حزب البعث, فقد شد المثقف السوري الأصيل رحالة إلى دول أوربا وأمريكا وأستراليا بعد ان كبلت حريته وزادت معاناته, ولم يستطيع أن يبرز ثقافته للمجتمع بسبب قلة وسائل الدعم والتسهيلات له, بمعنى لم يمنح له الحق في حرية التفكير والتعبير والانتماء السياسي, والفكري والأيديولوجي.

إن الثقافة السورية اليوم تعيش مأساة حقيقية  كماضيها, وتتعرض إلى مماحكة جديدة بين دور الثقافة الحقيقية وبين مصالح الطبقة السياسية والحزبية الضيقة التي تبحث عن الدعاية والتهليل والتطبيل لمناهجها الشكلية, ومن جانب آخر تهميش الحكومة لدورها في صناعة مجتمع متقدم,  لذلك لا يمكن لأي مثقف ملتزم نقد أي جهة من الطبقة السياسية والحاكمة خوفاً على حياته, ولهذه الاسباب خسرت الثقافة السورية عدداً كبيراً من المبدعين والكفؤين. والأكاديميين والصحفيين والإعلاميين ودفعت ثمناً كبيراً من القافلة الشهداء .. وانعكاس ذلك على ثقافة مكونات المجتمع السوري.

للأسف الشديد أن ما نشهده اليوم من هجمات وتنكيل للمثقف السوري الأصيل, بشكل آلية مسبوقة في القمع الفكري وإرهابه على امتداد تاريخنا من أشباح المثقفين الذين يعملون كبوق لتلميع صورة المسؤولين والدفاع عن سياستهم الخاطئة من خلال مقالاتهم وكتاباتهم الركيكة والملفقة, وبعيداً عن أي منهج علمي ونقدي لدراسة النصوص وتوظيفها بصورة صحيحة, وتجاوزهم كل الحدود الأدبية  والأخلاقية, والهدف منها للتغطية على سرقات المسؤولين لأموال الشعب وفشلهم إدارياً في

 

عملهم, يحاول البعض ما يسمى بالمثقفين توظيف كتاباتهم في إثارة النعرات الطائفية والانقسامات بين مكونات وأطياف الشعب السوري من أجل أهداف واضحة واستغلالهم للأجواء المشحونة في سوريا .. في كتاباتهم اليومية .. ليبثوا سمومهم ضد من يكشف الفساد الإداري في هياكل الدولة واتهامه بعدة اتهامات بحجة واهية لكي يقتلوا كل مفاهيم الإنسانية و الديمقراطية باسم سياسات خاطئة, هذه نشبهها بحجم البراكين تحرق ما حولها, حيث تترك أثرها التدميري لمدة

بعيدة من الزمن وهنا المصيبة!!!… هكذا مثقفين يكتبون من التفاهات التي لا تقل خطورة عن الإرهاب الدموي, إن لم يكن يتجاوز تلك الخطورة. وتمارس كل أشكال الضحك والسخرية على آلام وهموم المجتمع, وتحاول تكريس المفاهيم الخاطئة في النفوس الناس البسطاء واستسلامهم للواقع بحجة الدفاع عن مذهبهم أو طائفتهم, لذلك أخذوا يصرحون حسب مزاجهم ويحللون حسب هواهم, ولكن في الحقيقة يسيرون من يمولهم ويدعمهم من أحزاب وتيارات ومتنفذين في الدولة.

أن أهم واجبات المثقف السوري هو العمل على الرفع وعي الجماهير لمقاومة الظلم وكيفية حماية حقوقهم, وتحريرها من اضطهاد السلطة المستبدة, ومن جميع مصادر العسف والاضطهاد السياسي والاجتماعي والديني.. والعرقي وغيره.

لا شك فيه إن تقوية العلاقات الثقافية من الأمور المطلوبة والضرورية بين المثقفين «بغض النظر عن ميولهم أو أفكارهم» لما تمثله هذه العلاقات من حافز معنوي كبير لزيادة الأواصر الاجتماعية والعمل على توفير فرص ثمينة بالتعرف على مشاكل وهموم الناس, هذه العلاقات حافز لزيادة الروح الوطنية لدى الشعب السوري, أي أخذ إجراءات وقائية لمنع وقوع أي ظلم على أطياف الشعب السوري, لهذا على المثقف السوري إيجاد حركة استثنائية وأفكار خلاقة تحميه من الجهلاء على الثقافة السورية.

المثقف السوري الحقيقي الذي يعمل من أجل الارتقاء للمجتمع السوري نحو التنوير والتغيير, ما يزال يعيش مرحلة الحرمان والفقر .. والغربة الذي طوقه نظام البعث, والنظام السوري الحالي لم يكترث لمعاناته وهمومه, وقد أصاب المثقف السوري شلل وتغريب مرة أخرى بسبب عدم بيع صوته وضميره بأثمان رخيصة وبائسة إلى الأحزاب والمسؤولين في النظام السوري وتملقه لهم, لذلك يعاني المثقف

المبدع من الوضع النفسي والاجتماعي لأنه لا يجد من يدعمه ويهيأ الجو المناسب له لينطلق الإبداع ولنشر أفكاره وآرائه. ولا يجد مخرجاً له لكي يطرح إبداعاته وإطلاق طاقاته, بل صار أسير الواقع المأساوي, فالأحزاب السياسية تتحمل الجزء الكبير من المسؤولية عن الارتكاس الثقافي في سوريا  التي تحاول شراء بعض النفوس الضعيفة ممن يسمون بالمثقفين لتطبيل وتزمر لهم كما كانوا أيام نظام البعث.

من جهة أخرى بسبب انقساماتهم إن كانت مخفية أو علنية, ورفض بعضهم البعض لإفساح المجال للمثقفين من المأجورين واستغلالهم لهكذا أجواء, لذلك تغرب وتهمش المثقف السوري الذي يعبر عن وطنيته بإخلاص, وتوجيه قلمه إلى خدمة العمل الإنساني السوري, ويتحمل بصدق وعن جدارة

 

مسؤوليته الثقافية, وبعيداً عن أية نزوعات السياسيين, يبعد عن الساحة الثقافة والسياسية, ويحارب من كل الجهات الحكومية, وهذه من أسباب التخلف الثقافي في سوريا وجذور الفشل وعوامل الانحطاط !!!… وأصبحت الثقافة السورية كالشمعة التي تقاوم الظلام الدامس في العهد الجديد, وتهمشت تعمداً من قبل النظام السوري والقوى السياسية المتخلفة.