نوسوسيال

التطوّر التاريخي للديمقراطية التطوّر التاريخي للديمقراطية

1٬021

مؤلف هذا الكتاب هو الكاتب والصحافي السوري حسن ظاظا الذي عمل محرراً في العديد من الصحف ووكالات الأنباء السورية والعربية.

أصدر مجموعتين شعريتين هما: «دمع عبر بياض الحب»، و«قصائد للعالم الثالث»، كما اصدر بعض الكتب مثل «العراق ـ دراسة في تاريخه السياسي»، وكتاب «الحكومات السورية في القرن العشرين» (تأليف مشترك)، وهو من الناشطين في تأسيس بعض المهرجانات والفعاليات الثقافية التي شهدتها مدينة دمشق التي ولد فيها الكاتب سنة 1950م.في كتابه الجديد «التطور التاريخي للديمقراطية» الصادر مؤخرا عن دار الرؤية (دمشق ـ 2007)، يقدم الباحث عرضا تاريخيا للمراحل التي مرت بها الديمقراطية، ويشرح الأسس التي يبنى عليها النظام الديمقراطي، ويستعرض الكثير من الأمثلة التي كانت فيها الديمقراطية ضحية لسوء التأويل. فقد اختلفت التأويلات لهذا المفهوم تبعا للمراحل التاريخية، فكلمة الديمقراطية لم تكن توحي إلى الذهن في عهد أفلاطون نفس المعنى الذي أوحته في عهد جان جاك روسو، كما أن هذا المعنى يختلف كلياً عما يقصده بالديمقراطية مفكرو العهد الأخير أمثال كال ماركس وهيغل.

ورغم هذه التباينات في مقاربة مصطلح الديمقراطية يمكن تبسيط الأمر بعيدا عن التنظيرات المختلفة. يقول ظاظا، مستندا إلى مراجع موثقة، إن الديمقراطية ظهرت لأول مرة عند الإغريق، وهي لفظة مأخوذة من (ديموس) بمعنى «الشعب»، و(كراتيا) بمعنى «حكم» أي: حكم الشعب.

أما التعريف القاموسي للديمقراطية، فهو «حكم الشعب الذي تستقر فيه السلطة العليا بيد الشعب، والتي يمارسها مباشرة أو من خلال نواب ينوبون عنه، ممن يتم انتخابهم عبر نظام انتخابي حر».

وفي العودة إلى صفحات التاريخ يلاحظ الباحث أن أثينا، الحاضرة الإغريقية المعروفة، قد برهنت عند تطبيقها النظام الديمقراطي على أن الدولة التي أسس نظامها على مبدأ المساواة إنما هي حقا دولة الأحرار.

وكان سبب انحلال النظام الديمقراطي في اليونان وانهياره احتلالها من قبل فيليب المقدوني. عندئذ أصيبت الحركة الديمقراطية بنكسة، واستولى عليها ركود شامل دام حتى العصور الحديثة لولا بعض الحركات الضعيفة وبعض النظريات الفلسفية والعقائد الدينية.

فقد ناصر الفلاسفة الرواقيون، على سبيل المثال، قضية الحرية، وأكدوا على حقوق الفرد وأيدوه ضد السلطة، وقد عمت هذه الفلسفة، أي الفلسفة الرواقية، في العهد الروماني، فظهرت آثارها على آراء بعض المفكرين مثل شيشرون، وكانت حرية الفكر محترمة عند الرومان، ولم يكن للعقل قيود تحد من طلاقته، فانتشرت المذاهب التي تعطي للفرد أهمية كبرى.

وتحت عنوان «محاولة الديمقراطية عند الفراعنة» يسعى الباحث إلى تبيان المظالم التي تعرض لها شعب وادي النيل، وظهور بوادر محاولات يائسة للحصول على حريته المفقودة، وهذا الشعب شهد لأول مرة تنظيماً سياسياً في التاريخ، لكن نظام الحكم بدأ ثيوقراطيا (دينياً) وكانت سلطة الفرعون مطلقة. ويرى المستشرق الفرنسي دي ساسي أن «أول حركة قامت في الدنيا ضد الاستبداد السياسي وضد الحكم الفردي المطلق كانت في مصر أيام الفراعنة».

أما في القرون الوسطى، فلم تكن البيئة صالحة لتطبيق الديمقراطية، حيث «كان الجهل خلالها مخيما على القارة الأوربية، والتعصب الديني يخنق الأفكار والآراء، وكانت الكنيسة ـ خلافا لتعاليم المسيح السامية ـ تسند ذوي الإقطاع، وتشد أزر الطغاة المستبدين، وتساعد في القضاء على حرية الفكر وحرية العقيدة وحرية الضمير».

وعندما أخذ البناء الإقطاعي يتداعى في القرنين السابع عشر والثامن عشر قامت «الملكية المطلقة» على أنقاضه، فحل النظام المركزي الاستبدادي محل النظام الإقطاعي إلى أن بزغت شمس النهضة الحديثة.

وبهذا يصل المؤلف إلى العصور الحديثة ليتناول واقع الديمقراطية في إنجلترا في القرن التاسع عشر، ونشوء الديمقراطية في فرنسا في المرحلة ذاتها، ويتحدث كذلك عن أبرز منظري الديمقراطية في أوربا، والحركات الإصلاحية التي ظهرت بتأثير من تلك دعوات وآراء المفكرين والفلاسفة، وقد وصلت تأثيرات هذه الأفكار الداعية إلى التحرر والانعتاق إلى القارة الأميركية.

ويخصص الباحث فصلاً مستقلاً لمناقشة أزمة الديمقراطية في القرن العشرين، ويشرح اثر الحرب العالمية الأولى في النضال الديمقراطي.

كما يتحدث عن ظهور الحركات السياسية مثل النازية والفاشية التي حاربت الديمقراطية، ويعدد الباحث أسباب تدهور الديمقراطية في العصر الراهن ومنها الاستعداد الناقص لتفهم الديمقراطية، وظهور الديكتاتوريات الحديثة، والمغالاة في المذاهب الديمقراطية.

ويصور الباحث مزايا الديمقراطية ويبين الإيجابيات التي يفرزها النظام السياسي القائم على الديمقراطية إذ يقول إن الديمقراطية «ترمي إلى تحقيق قيم عليا تتفق ومستوى البشرية اليوم، وتؤدي إلى سعادة الفرد والمجموع، حيث إنها تبث في كل فرد احترام ذاته، والاعتزاز بكرامته، والشعور بأهميته الاجتماعية.

لا فرق في ذلك بينه وبين أي فرد آخر يتعلق بالحقوق الإنسانية من سياسية واجتماعية واقتصادية». والديمقراطية في حقيقتها «تدعو إلى نظام تكون فيه الحرية شاملة، فلا قيود ولا أصفاد ولا حواجز تحد من حرية الرأي والعقيدة والنشر والاجتماع وتشكيل الأحزاب…

ففي النظام الديمقراطي تتكافأ الفرص وتزول الفوارق بين الطبقات وتفتح السبل واسعة أمام أرباب الكفاءات وأصحاب المواهب والمبادرات والعقول النيرة».

ومن أبرز شروط الديمقراطية وأصولها، كما يرى ظاظا، «سيادة الشعب، وقيام الحكومة على رضا المحكومين، وحكم الأغلبية مع مراعاة حقوق الأقليات، وضمان حقوق الإنسان الأساسية، وإجراء الانتخابات الحرة والنزيهة، والمساواة أمام القانون، ووضع القيود الدستورية للحكومة، والتعددية في المجالات السياسية والاقتصادية…».

ويختم الباحث دراسته بالحديث عن مستقبل الديمقراطية، إذ يرى بأننا «نعيش في عصر تتردد فيه أصداء الأصوات المنادية بالديمقراطية في مختلف أنحاء العالم»، فقد نفضت أوربا الشرقية عن كاهلها الأنظمة التسلطية، وكافحت جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق في سبيل انتزاع حريتها، وفي أميركا اللاتينية قفزت الديمقراطية خطوات نوعية نحو الأمام، بينما تشهد العديد من دول إفريقيا إصلاحات ديمقراطية.

وعلى ضوء هذا الحراك يستنتج الباحث بأن «انتشار ظاهرة الديمقراطية في العالم يدحض مقولة المتشككين، الذين طالما تشدقوا بأن الديمقراطية إنما هي صنيعة غربية خالصة لا يمكن خلق مثيلاتها في الثقافات غير الغربية.

ففي عالم اليوم الذي تتم فيه ممارسة الديمقراطية في دول متباينة إلى حد كبير كاليابان، وإيطاليا، وفنزويلا فإن المؤسسات الديمقراطية تكتسب الشرعية، والحركات المناهضة للقمع والاستبداد تتمتع، وبشكل مطرد، بمزيد من المناصرين، وبدعم من منظمات وهيئات دولية».

ومع أن المعلومات والوقائع التي يدرجها الكاتب أصبحت معروفة في غالبيتها ومبثوثة في ثنايا المراجع المختلفة التي تناولت موضوعة الديمقراطية وتطورها، لكن ما يسجل للباحث هنا هو انه استطاع أن يخرج بكتاب يضم المحطات المفصلية لتطور هذا المفهوم.

فهو يستند إلى الكثير من تلك المراجع ليستخلص ويقتبس منها ما يلائم دراسته، ليقدم كتاباً لابد وانه سيشكل مرجعا ميسراً ومختزلاً للباحثين والدارسين في مجالات حقوق الإنسان، وكذلك لأولئك الذين يتوقون إلى حياة حرة كريمة تسودها الديمقراطية، وترفرف في سمائها العدالة والمساواة.

إبراهيم حاج عبدي

*الكتاب:التطور التاريخي للديمقراطية

*الناشر:دار الرؤية ـ دمشق 2007

*الصفحات: 176 صفحة من القطع المتوسط